في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني ـ وكان من أشرافهم ـ في جند من الشياطين معه راية ، وقال : لا غالب لكم اليوم ، وإنى مجيركم من بنى كناية. فلما رأى الملائكة تنزل ، نكص وقيل : كانت يده في يد الحارث بن هشام ، فلما نكص قال له الحارث : إلى أين؟ أتخذ لنا في هذه الحال؟ فقال : إنى أرى مالا ترون ، ودفع في صدر الحارث وانطلق ، وانهزموا ، فلما بلغوا مكة قالوا : هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما أسلموا علموا أنه الشيطان. وفي الحديث : وما رئي إبليس يوما أصغر ولا أدحر (١) ولا أغيظ من يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رئي يوم بدر (٢). فإن قلت : هلا قيل لا غالباً لكم كما يقال : لا ضاربا زيداً عندنا؟ قلت : لو كان (لَكُمُ) مفعولا لغالب ، بمعنى : لا غالباً إياكم لكان الأمر كما قلت : لكنه خبر تقديره : لا غالب كائن لكم.
(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٤٩)
(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) بالمدينة (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يجوز أن يكون من صفة المنافقين ، وأن يراد الذين هم على حرف ليسوا بثابتى الأقدام في الإسلام. وعن الحسن : هم المشركون (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) يعنون أنّ المسلمين اغتروا بدينهم وأنهم يتقوّون به وينصرون من أجله ، فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف ، ثم قال جوابا لهم (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب يسلط القليل الضعيف على الكثير القوى.
(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(٥١)
(وَلَوْ تَرى) ولو عاينت وشاهدت ، لأن «لو» تردّ المضارع إلى معنى الماضي ، كما تردّ «إن»
__________________
(١) قوله «ولا أدحر» الدحور : الطرد والابعاد ، اه صحاح ، (ع)
(٢) أخرجه مالك في الموطأ من رواية طلحة بن عبيد الله بن كريز مرسلا ، ومن طريق مالك أخرجه عبد الرزاق والطبري ، والبيهقي في الشعب وانفرد أبو النضر بن إسماعيل بن إبراهيم العجلى عن مالك. فقال عن طلحة عن أبيه قال ابن عبد البر : الصواب مرسل «تنبيه» هو طلحة بن عبد الله بن بكير ، وكريز مصغر ، ووقع في المناسك للنووي طلحة بن عبد الله أحد العشرة ، وهو وهم بين.