رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتحدوا ، وأنشؤا يرمون عن قوس واحدة ، وذلك لما نظم الله من ألفتهم وجمع من كلمتهم ، وأحدث بينهم من التحاب والتوادّ ، وأماط عنهم من التباغض والتماقت ، وكلفهم من الحب في الله والبغض في الله ، ولا يقدر على ذلك إلا من يملك القلوب ، فهو يقلبها كما شاء ، ويصنع فيها ما أراد ، وقيل : هم الأوس والخزرج ، كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤساءهم ودق جماجمهم ، ولم يكن لبغضائهم أمد ومنتهى ، وبينهما التجاور الذي يهيج الضغائن ويديم التحاسد والتنافس ، وعادة كل طائفتين كانتا بهذه المثابة أن تتجنب هذه ما آثرته أختها وتكرهه وتنفر عنه ، فأنساهم الله تعالى ذلك كله حتى اتفقوا على الطاعة وتصافوا وصاروا أنصاراً وعادوا أعواناً ، وما ذاك إلا بلطيف صنعه وبليغ قدرته
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٦٤)
(وَمَنِ اتَّبَعَكَ) الواو بمعنى مع وما بعده منصوب ، تقول : حسبك وزيداً درهم ، ولا تجرّ ، لأنّ عطف الظاهر المجرور على المكنى ممتنع قال :
فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ عَضْبٌ مُهَنَّدُ (١)
والمعنى : كفاك وكفى أتباعك من المؤمنين الله ناصراً أو يكون في محل الرفع : أى كفاك الله وكفاك المؤمنون ، وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال ، وعن ابن عباس رضى الله عنه نزلت في إسلام عمر رضى الله عنه ، وعن سعيد بن جبير أنه أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم عمر ، فنزلت.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ
__________________
(١) إذا كانت الهيجاء واشتقت العصا |
|
فحسبك والضحاك سيف مهتد |
يقول : إذا وجدت الحرب وافترقت العصبة ووقع الخلاف وظهر الشر فيكفيك مع الضحاك سيف مطبق من حديد الهند ، فانشقاق العصا تمثيل لوقوع الخلاف وظهور الشر. وحسب : اسم فعل بمعنى يكفى. والكاف مفعوله. والضحاك مفعول معه. وسيف فاعله. والجمهور على أنه صفة مشبهة بمعنى كافى مبتدأ ، والكاف مضاف إليه. وسيف خبره. والضحاك مفعول لمحذوف ، أى يكفى لأن الصفة المشبهة لا تنصب المفعول معه. وروى الضحاك بالجر ، أى : وحسب الضحاك ، وبالرفع على إنابته مناب «حسب» المحذوف. والواو للمعية على الأول ، والعطف على غيره ويروى : عضب مهند. والعضب : السيف القاطع.