صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان (١) فقال : يا رسول الله أخبرنى ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت ، فقال : أبكى على أصحابك في أخذهم الفداء ، ولقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ـ لشجرة قريبة منه ـ وروى أنه قال : لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمرو سعد بن معاذ ، رضى الله عنهما ، لقوله كان الإثخان في القتل أحب إلىّ (٢) (عَرَضَ الدُّنْيا) حطامها ، سمى بذلك لأنه حدث قليل اللبث ، يريد الفداء (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) يعنى ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل. وقرئ : يريدون ، بالياء. وقرأ بعضهم والله يريد الآخرة ، بجرّ الآخرة على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله ، كقوله :
أَكُلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبِينَ امْرَأً |
|
وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِالَّليْلِ نَارَا (٣) |
ومعناه والله يريد عرض الآخرة. على التقابل ، يعنى ثوابها (وَاللهُ عَزِيزٌ) يغلب أولياءه على أعدائه ويتكنون منهم قتلا وأسراً ويطلق لهم الفداء ، ولكنه (حَكِيمٌ) يؤخر ذلك إلى أن يكثروا ويعزوا وهم يعجلون (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) لو لا حكم منه سبق إثباته في اللوح وهو أنه لا يعاقب أحد بخطإ ، وكان هذا خطأ في الاجتهاد ، لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سبباً في إسلامهم وتوبتهم ، وأنّ فداءهم يتقوّى به على الجهاد في سبيل الله ، وخفى عليهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم وأفل لشوكتهم. وقيل كتابه أنه سيحل لهم الفدية التي أخذوها. وقيل : إن أهل بدر مغفور لهم. وقيل : إنه لا يعذب قوماً إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهى ، ولم يتقدم نهى عن ذلك (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) روى أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم
__________________
(١) أخرجه أحمد والطبري. من رواية الأعمش عن عمر بن سمرة عن أبى عبيدة عن عبد الله فذكره مطولا.
(٢) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق قال «لم يكن أحد من المؤمنين ممن حضر بدراً إلا أحب الغنائم غير عمر بن الخطاب فانه جعل لا يلقى أسيرا إلا ضرب عنقه وقال سعد بن معاذ : يا رسول الله الإثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو نزل من السماء عذاب لما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ» ورواه الواقدي في المغازي من وجه آخر منقطع بمعناه. وروى ابن مردويه من حديث ابن عمر رفعه «لو نزل العذاب. ما أفلت منه إلا ابن الخطاب».
(٣) لأبى دواد. وقيل لحارثة بن حمران الأيادي ، وهو من أبيات الكتاب. والهمزة للاستفهام الإنكاري ، يخاطب امرأة ، أو نفسه ، أى : لا تحسبي أن كل رجل رجل كامل ، ولا تحسبي أن كل نار تتوقد في الليل نار متوقدة لقرى الضيفان ، يعنى أن الرجل هو الكريم الشجاع ، والنار هي نار القرى لا غير. وحذف المضاف مع بقاء المضاف إليه على حالة الاضافة مطرد ، إذا عطف على مثله ليدل عليه كما هنا ، وإلا فهو سماعي ، بل مطرد عند الكوفيين ولو بغير عطف. ونار مجرور بمضاف محذوف ، ولا يصح عطفه على امرئ. وعطف المنصوب على المنصوب لئلا يلزم العطف على معمولى عاملين مختلفين ، وهما «كل» و «تحسبين» وهو ممنوع عند سيبويه ومن وافقه.