(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ظاهره إثبات الموالاة بينهم كقوله تعالى في المسلمين (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ومعناه : نهى المسلمين عن موالاة الذين كفروا وموارثتهم وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم وإن كانوا أقارب ، وأن يتركوا يتوارثون بعضهم بعضا ثم قال : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) أى إلا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضاً حتى في التوارث ، تفضيلا لنسبة الإسلام على نسبة القرابة ولم تقطعوا العلائق بينكم وبين الكفار. ولم تجعلوا قرابتهم كلا قرابة تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة ، لأنّ المسلمين ما لم يصيروا يداً واحدة على الشرك ، كان الشرك ظاهراً والفساد زائداً. وقرئ كثير بالثاء.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٧٥)
(أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) لأنهم صدقوا إيمانهم وحققوه ، بتحصيل مقتضياته من هجرة الوطن ومفارقة الأهل والانسلاخ من المال لأجل الدين ، وليس بتكرار لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم والشهادة لهم (١) مع الموعد الكريم ، والأولى للأمر بالتواصل (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ) يريد اللاحقين بعد السابقين إلى الهجرة ، كقوله (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) ألحقهم بهم وجعلهم منهم تفضلا منه وترغيبا (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) أولو القرابات أو أولى بالتوارث ، وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة (فِي كِتابِ اللهِ) تعالى في حكمه وقسمته. وقيل في اللوح. وقيل في القرآن ، وهو آية المواريث وقد استدل به أصحاب أبى حنيفة رحمه الله على توريث ذوى الأرحام.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» من قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا شفيع له يوم القيامة ، وشاهد أنه بريء من النفاق وأعطى عشر حسنات بعدد كل منافق ومنافقة ، وكان العرش وحملته يستغفرون له أيام حياته في الدنيا» (٢)
__________________
(١) قوله «والشهادة لهم» لعله : والشهادة لهم بالايمان. (ع)
(٢) ذكرت أسانيده في تفسير آل عمران.