فقال عليه الصلاة والسلام : لا نصرت إن لم أنصركم» (١) وقرئ : لم ينقضوكم ، بالضاد معجمة أى لم ينقضوا عهدكم. ومعنى (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ) فأدّوه إليهم تامّاً كاملا. قال ابن عباس رضى الله عنه : بقي لحىّ من كنانة من عهدهم تسعة أشهر ، فأتمّ إليهم عهدهم.
(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥)
انسلخ الشهر ، كقولك انجرد الشهر ، وسنة جرداء. و (الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) التي أبيح فيها للناكثين أن يسيحوا (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) يعنى الذين نقضوكم وظاهروا عليكم (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) من حلّ أو حرم (وَخُذُوهُمْ) وأسروهم. والأخيذ : الأسير (وَاحْصُرُوهُمْ) وقيدوهم وامنعوهم من التصرف في البلاد. وعن ابن عباس رضى الله عنه : حصرهم أن يحال بينهم وبين المسجد الحرام (كُلَّ مَرْصَدٍ) كلّ ممرّ ومجتاز (٢) ترصدونهم به ، وانتصابه على الظرف كقوله (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ
__________________
ـ والأتير : الطريق ، وواحدة وتيرة. وهو هنا اسم ماء لخزاعة بأسفل مكة. و «الهجد» جمع هاجد ، وهو المتيقظ من النوم العبادة. و «العتيد» الحاضر ، يقال : عنده تعتيدا ، وأعتده إعتاداً : هيأه وأحضره ، فهو عتيد وأعتد.
وفيه جعل اسم التفضيل بمعنى المفعول ، فلعله من عند إذا حضر. والأصل أعده إعداداً فأبدلت الدال تاء ، و «هداك الله» جملة اعتراضية دعائية. و «المدد» الزيادة : أى يأتوا زيادة لنا تعيننا على أعدائنا. وفي الاضافة إلى الله تهييج لهم. و «الفيلق» الجيش المزدحم المتكاثف. كالبحر في الكثرة وسرعة السير. و «المزيد» المخرج للرغوة من شدة السير والغليان. «يسمو» يعلو «صعداً» أى صعوداً. «إن شيم» أى رئي. وروى بالمهملة : أى أحق ، «تريد» أى تغير وصار مغيراً كلون الرماد. والغضب عند نزول المكروه أمارة الشجاعة. وهذا كان سبب فتح مكة.
(١) أخرجه ابن إسحاق في المغازي والبيهقي في الدلائل من طريقة. قال حدثني الزهري عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة قالا «كان في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، فذكر القصة مطولة وفيها الشعر. وفيها فنكثوا في الهدنة نحو سبعة أو ثمانية عشر شهرا. وروى الطبراني من طريق على بن الحسين حدثتني ميمونة بنت الحارث قالت «كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، فذكرت القصة والشعر.
وأوردها الواقدي في المغازي مطولا من طرق ثم قال. حدثني عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبى أنس عن ابن عباس. قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر طرف ردائه ويقول «يا عمرو لا نصرت إن لم أنصر بنى كعب مما أنصر منه نفسي».
(٢) قال محمود : «المرصد المجاز والممر ... الخ» قال أحمد : ويكون انتصابه دون جره من الاتساع ، لأن المرصد ظرف مختص ، والأصل قصور الفعل عن نصبه ، ويكون مثل قوله في الاتساع :
كما عسل الطريق الثعلب
ويحتمل ـ والله أعلم ـ أن يكون مرصد مصدراً ، لأن صيغة اسم الزمان والمكان والمصدر من فعلة واحدة ، فعلى هذا يكون منصوبا نصبا أصلياً ، لأن اقعدوا في معنى ارصدوا ، كأنه قيل : وارصدوهم كلّ مرصد ، إلا أن الظرفية يقويها قوله (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فيقتضيها قصد المطابقة بين ظرفى المكان ، والله أعلم.