مواطن الحرب : مقاماتها ومواقفها (١) قال :.
وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلَاىَ طُحْتَ كَمَا هَوَي |
|
بِأَجْرَامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِى (٢) |
__________________
(١) قال محمود : «مواطن الحرب مقاماتها ومواقفها ... الخ» قال أحمد : لا مانع ـ والله أعلم ـ من عطف الظرفين المكاني والزمانى أحدهما على الآخر ، كعطف أحد المفعولين على الآخر والفعل واحد ، إذ يجوز أن تقول ضرب زيد عمرا في المسجد ويوم الجمعة ، كما تقول : ضربت زيداً وعمرا ، ولا يحتاج إلى إضمار فعل جديد غير الأول ، هذا مع أنه لا بد من تغاير الفعلين الواقعين بالمفعولين في الحقيقة ، فإنك إذا قلت : أضرب زيدا اليوم وعمراً غداً ، لم يشك في أن الضربين متغايران بتغاير الظرفين ، ومع ذلك الفعل واحد في الصناعة. فعلى هذا يجوز في الآية ـ والله أعلم ـ بقاء كل واحد من الظرفين على حاله غير مؤول إلى الآخر ، على أن الزمخشري أوجب تعدد الفعل وتقدير ناصب لظرف الزمان غير الفعل الأول. وإن كانا عنده جميعاً زمانين ، لعلة أن كثرتهم لم تكن ثابتة في جميع المواطن. يريد : ولو ذهبت إلى اتحاد الناصب للزم ذلك ، وهذا غير لازم. ألا تراك لو قلت : أضرب زيداً حين يقوم وحين يقعد ، لكان الناصب للظرفين واحداً وهما متغايران ، وإنما يمتنع عمل الفعل الواحد في ظرفى زمان مختلفين عند عدم العطف المتوسط بينهما ، والله أعلم.
(٢) تكاشرنى كرها كأنك ناصح |
|
وعينك تبدى أن صدرك لي دوى |
لسانك ماذي وعينك علقم |
|
وشرك مبسوط وخيرك منطوى |
فليت كفافاً كان خيرك كله |
|
وشرك عنى ما ارتوى الماء مرتوى |
وكم موطن لولاى طحت كما هوى |
|
بأجرامه من قلة النيق منهوى |
جمعت وفحشا غيبة ونميمة |
|
ثلاث خصال لست عنها بمرعوى |
ليزيد بن الحكم بن أبى العاص الثقفى. والمكاشرة : المضاحكة ، واختارها في التعبير إشارة إلى أنها ليست مضاحكة حقيقة يوافقها القلب ، وإنما هي إظهار الأسنان فقط أمامه ليريه أنه ناصح الرجل كمرض فسد قلبه ، ودوى أى خالص المودة. ودوى صدر «أيضاً حقد ، فهو دوى بالتخفيف كعمي ، أو التشديد كغنى ، على فعل أو فعيل ، وعلى التشديد فتخفيفه للوزن. و «الماذي» عسل النحل لأنه يمذى منها ، وتسمى الخمرة ماذية لسهولتها. و «العلقم» الحنظل وكل شجر مر وكل شيء مر ، أى لسانك كالعسل في حلاوة الكلام. وعينك كالعلقم في كراهية النفس ونفرتها عن كل ، حيث تنظر لي نظر الحسود المغتاظ ، وشبه الشر والخير ببساطين على سبيل المكنية ، والبسط والطى تخييل. واسم ليت ضمير الشأن أو ضمير المخاطب محذوفا ، وخيرك اسم كان ، وكفافا خبرها. وشرك عطف على خيرك. ويجوز أنه من باب التنازع عن من أجازه في الحروف ، لأن «ليت» مقتضية للعمل في خيرك ، و «كان» مقتضية للعمل فيه ، فأعمل فيه الثاني وحذف ضميره من الأول ، لأنه وإن كان عمدة ، مشبهة للفضلة في نصبه ، وكما أجاز حذفه الكوفيون في باب كان وباب ظن ، نعلمه من مفسره ، أى : فليت الحال والشأن كان خيرك كله وشرك ، كفافا : بالفتح ، أى مغنيا كافياً لك عنى ، ولو كسر «كفافا» على أنه مفاعلة من الكف لجاز ، ويكون المصدر بمعنى اسم الفاعل ، مبالغة : أى كافا لك ، أو منكفا عنى ما دام «مرتو» يرتوى الماء ، أى : يستقيه ، يعنى دائما ، وكم : خبرية للتكثير ، أى كثير من مواطن الحرب لو لا وجودى لطحت بكسر الطاء وضمها من باب باع ، وقال :
أى هلكت فيها كما هوى منهو ، أى سقط ساقط من قلة النيق. ويروى : قنة النيق ، والمعنى واحد ، أى : من رأس الجبل العالي ، ومذهب سيبويه أن «لو لا» حرف جر إذا وليها ضمير نصب ، ومذهب الأخفش أنه وضع ضمير النصب موضع ضمير الرفع على الابتداء ، وأنكر المبرد وروده ، وهو محجوج بهذا. وقال أبو على الفارسي : الفعل ومطاوعه قد يكونان لازمين معا ، كهوى وانهوى ، وغوى وانغوى ، بدليل نحو هذا البيت. وحمله الجمهور على الضرورة. والقياس : هاو وغاو. وبعضهم على أنهما مطاوعان لأهديته وأغويته ، لكن مطاوعه : انفعل لا فعل شاذة ،