وامتناعه من الصرف لأنه جمع ، وعلى صيغة لم يأت عليها واحد ، والمواطن الكثيرة : وقعات بدر ، وقريظة ، والنضير ، والحديبية ، وخيبر ، وفتح مكة. فإن قلت : كيف عطف الزمان والمكان وهو (يَوْمَ حُنَيْنٍ) على المواطن؟ قلت : معناه وموطن يوم حنين. أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين. ويجوز أن يراد بالموطن الوقت كمقتل الحسين ، على أنّ الواجب أن يكون يوم حنين منصوباً بفعل مضمر لا بهذا الظاهر. وموجب ذلك أنّ قوله (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ) بدل من يوم حنين ، فلو جعلت ناصبه هذا الظاهر لم يصح ، لأنّ كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن (١) ولم يكونوا كثيراً في جميعها ، فبقى أن يكون ناصبه فعلا خاصاً به ، إلا إذا نصبت «إذ» بإضمار «اذكر» وحنين : واد بين مكة والطائف ، كانت فيه الوقعة بين المسلمين وهم اثنا عشر ألفاً الذين حضروا فتح مكة ، منضما إليهم ألفان من الطلقاء ، وبين هوازن وثقيف وهم أربعة آلاف فيمن ضامّهم من إمداد سائر العرب فكان الجمّ الغفير ، فلما التقوا قال رجل من المسلمين : لن نغلب اليوم من قلة ، فساءت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل قائلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وقيل أبو بكر رضى الله عنه (٢) وذلك قوله (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) فاقتتلوا قتالا شديداً وأدركت المسلمين كلمة الإعجاب بالكثرة ، وزلّ عنهم أن الله هو الناصر لا كثرة الجنود فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة ، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وهو ثابت في مركزه لا يتحلحل ، ليس معه إلا عمه العباس رضى الله تعالى عنه آخذ بلجام دابته وأبو سفيان بن الحرث ابن عمه ، وناهيك بهذه الوحدة شهادة صدق على تناهى
__________________
ولو قيل : انهوى مطاوع لهوى به لجاز. لكنه ليس قياسياً ، ثم قال له : جمعت غيبة ونميمة وفحشا ، فقدم المعطوف للضرورة. وجعله ابن جنى مفعولا معه ، وأجاز تقديمه على مصاحبه ممسكا بذلك ، ويمكن أن يكون ضرورة أيضاً. وفيه إشارة من أول وهلة إلى إرادة التعدد والتكثير وثلاث خصال بدل مما قبله ، ولست عنها : أى لست بمنزجر عنها ، فقدم المعمول للاهتمام ، والياء في القافية للإطلاق.
(١) قوله «لم تعجبهم في جميع تلك المواطن» إنما يلزم كون كثرتهم أعجبتهم في جميعها ، مع أنه خلاف الواقع لو جعل (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ) بدلا من المواطن أيضاً ، فتدبر. (ع)
(٢) لم أجده بهذا السياق وقوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالها : قد ورد أنه قال «لن تغلب اثنا عشر ألفا عن قلة» في حديث غير هذا. وأما هذا فان كان المصنف وقع على شيء من ذلك فما كان قوله «وأدركتهم كلمة الاعجاب بالكثرة ونزل عنهم إلى آخره بلائق. وأما قوله «وقيل قالها أبو بكر» فلم أقف عليه وقوله «ومن هوازن وثقيف وفي أربعة آلاف غلام مسح» والصواب أن هوازن وثقيفا كانوا من المشركين والذي في مسلم من حديث العباس «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ـ فذكرت القصة ، وفيها تغير ونقص عما ساقه المصنف وليس فيها «فخذا فخذا» وإنما فيه «أن عباسا نادى أصحاب السمرة ونادى أصحاب الشجرة. قال فعطوا عطف البقرة على أولادها ، وروى يونس بن بكر في زيادة المغازي عن أبى جعفر الرازي بن الربيع يعنى ابن أنس «أن رجلا قال يوم حنين : لن نغلب اليوم من قلة. فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ـ وذكر الآية قال الربيع وكانوا اثنى عشر ألفا منهم ألفان من أهل مكة.