الله عنه : ما أبالى أطعت مخلوقا في معصية الخالق ، أو صليت لغير القبلة. وأمّا المسيح فحين جعلوه ابنا لله فقد أهلوه للعبادة. ألا ترى إلى قوله (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ). (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) أمرتهم بذلك أدلة العقل والنصوص في الإنجيل والمسيح عليه السلام : أنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة (سُبْحانَهُ) تنزيه له عن الإشراك به ، واستبعاد له. ويجوز أن يكون الضمير في (وَما أُمِرُوا) للمتخذين أرباباً ، أى : وما أمر هؤلاء الذين هم عندهم أرباب إلا ليعبدوا الله ويوحدوه ، فكيف يصح أن يكونوا أربابا وهم مأمورون مستعبدون مثلهم.
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٣٣)
مثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب ، بحال من يريد ان ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق ، يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى في الإشراق أو الإضاءة ، ليطفئه بنفخه ويطمسه (لِيُظْهِرَهُ) ليظهر الرسول عليه السلام (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) على أهل الأديان كلهم. أو ليظهر دين الحق على كل دين. فإن قلت : كيف جاز ، أبى الله إلا كذا ، ولا يقال : كرهت أو أبغضت إلا زيداً (١)؟ قلت : قد أجرى «أبى» مجرى «لم يرد» ألا ترى كيف قوبل (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا) بقوله (وَيَأْبَى اللهُ) وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتمّ نوره.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ
__________________
ـ بن أعين ، وعطيف ليس بمعروف ، وأخرجه ابن أبى شيبة والطبراني والطبري وأبو يعلى من هذا الوجه رواه البيهقي في المدخل كذلك وزاد «فتلك عبادتهم».
(١) قال : محمود «إن قلت كيف جاز أبى الله إلا كذا ولا يقال كرهت ... الخ» قال أحمد : ولا يقال على هذا إن الاباء عدم الارادة ، فكما صح الإيجاب بعد نفى الارادة ، فينبغي أن يصح بعد ما هو في معناها مطلقا ، لأنا نقول لوجود حرف النفي أثر في تصحيح مجيء حرف الإيجاب بعد فلا يلزم ذلك ، والله أعلم.