فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)(٣٥)
معنى أكل الأموال على وجهين : إما أن يستعار الأكل للأخذ. ألا ترى إلى قولهم : أخذ الطعام وتناوله. وإمّا على أن الأموال يؤكل بها فهي سبب الأكل. ومنه قوله :
إنَّ لَنَا أَحْمِرَةً عِجَافَا |
|
يَأْكُلْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ إكافَا (١) |
يريد : علفاً يشترى بثمن إكاف. ومعنى أكلهم بالباطل : أنهم كانوا يأخذون الرشا في الأحكام ، والتخفيف والمسامحة في الشرائع (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) يجوز أن يكون إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان ، للدلالة على اجتماع خصلتين مذمومتين فيهم : أخذ البراطيل.
وكنز الأموال ، والضنّ بها عن الإنفاق في سبيل الخير. ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنافقين ، ويقرن بينهم وبين المرتشين من اليهود والنصارى ، تغليظا ودلالة على أن من يأخذ منهم السحت ، ومن لا يعطى منكم طيب ماله : سواء في استحقاق البشارة بالعذاب الأليم. وقيل : نسخت الزكاة آية الكنز. وقيل : هي ثابتة ، وإنما عنى بترك الإنفاق في سبيل الله منع الزكاة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «ما أدّى زكاته فليس بكنز وإن كان باطناً ، وما بلغ أن يزكى فلم يزك فهو كنز وإن كان ظاهراً» (٢) وعن عمر رضى الله عنه أنّ رجلا سأله عن أرض له باعها فقال : أحرز مالك الذي أخذت ، احفر له تحت فراش امرأتك. قال : أليس بكنز؟ قال : ما أدّى زكاته فليس بكنز (٣) وعن عمر رضى الله عنه : كل ما أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ، وما لم
__________________
(١) مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢١٦ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢) أخرجه البيهقي من طريق محمد بن جبير عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا بلفظ «كل ما أدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا ، وكل مالا يؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا» قال البيهقي : ليس هذا بمحفوظ ، والمشهور عن سفيان بن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قوله. ورواه الطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن عدى من طريق سويد بن عبد العزيز عن عبيد الله بسنده مرفوعا ، ولفظه «كل مال وإن كان تحت سبع أرضين يؤدى زكاته فليس بكنز ، وكل مال لا يؤدى زكاته وإن كان ظاهرا فهو كنز» قال ابن عدى : وفيه سويد وغيره يرويه موقوفا والموقوف رواه عبد الرزاق عن عبيد الله العمرى موقوفا والشافعي عن ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع نحوه ، وفي الباب عن أم سلمة قالت «جئت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول الله أكنز هو؟ فقال : ما بلغ الذي يؤدى زكاته فليس بكنز» أخرجه أبو داود والحاكم.
(٣) أخرجه عبد الرزاق من طريق بشر بن سعيد أن رجلا باع رجلا حائطا أو مالا بمال عظيم فقال له عمر ابن الخطاب رضى الله عنه : أحسن موضع هذا المال ـ الحديث» ورواه ابن أبى شيبة من طريق أخرى عن سعيد ابن أبى سعيد أن عمر سأل رجلا ـ فذكره.