عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥٤)
(فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) إما أن يكون أمراً بتبليغ سلام الله إليهم. وإما أن يكون أمراً بأن يبدأهم بالسلام إكراماً لهم وتطييبا لقلوبهم. وكذلك قوله (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) من جملة ما يقول لهم ليسرهم ويبشرهم بسعة رحمة الله وقبوله التوبة منهم. وقرئ : إنه ، فإنه بالكسر على الاستئناف كأن الرحمة استفسرت فقيل (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ) وبالفتح على الإبدال من الرحمة (بِجَهالَةٍ) في موضع الحال ، أى عمله وهو جاهل. وفيه معنيان ، أحدهما : أنه فاعل فعل الجهلة لأنّ من عمل ما يؤدى إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظانّ فهو من أهل السفه والجهل ، لا من أهل الحكمة والتدبير. ومنه قول الشاعر :
على أنّها قالت عشيّة زرتها |
|
جهلت على عمد ولم تك جاهلا (١) |
والثاني : أنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة. ومن حق الحكيم أن لا يقدم على شيء حتى يعلم حاله وكيفيته. وقيل : إنها نزلت في عمر رضى الله عنه حين أشار بإجابة الكفرة إلى ما سألوا ولم يعلم أنها مفسدة.
(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)(٥٥)
وقرئ (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء والياء مع رفع السبيل لأنها تذكر وتؤنث. وبالتاء على خطاب الرسول مع نصب السبيل. يقال : استبان الأمر وتبين واستبنته وتبينته. والمعنى : ومثل ذلك التفصيل البين نفصل آيات القرآن ونلخصها في صفة أحوال المجرمين ، من هو مطبوع على قلبه لا يرجى إسلامه ، ومن يرى فيه أمارة القبول وهو الذي يخاف إذا سمع ذكر القيامة ، ومن دخل في الإسلام إلا أنه لا يحفظ حدوده ، ولتستوضح سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يجب أن يعامل به ، فصلنا ذلك التفصيل.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ
__________________
(١) «على» بمعنى «مع» أى قالت عشية زيارتي إياها «جهلت» أى فعلت فعل الجاهل ، أو تجاهلت وادعيت الجهل ، مع تعمدك ولم تك جاهلا حين الفعل. أو لم تك فيما مضى جاهلا بشيء. (ع)