ـ لما غاظهم من ذلك وعظم عليهم ـ تصميما على النفاق ومقتاً للإسلام ، فمعنى قوله (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) لا يزال هدمه سبب شكّ ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم لا يزول وسمه عن قلوبهم ولا يضمحلّ أثره (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) قطعاً وتفرّق أجزاء ، فحينئذ يسلون عنه. وأمّا ما دامت سالمة مجتمعة فالريبة باقية فيها متمكنة ، فيجوز أن يكون ذكر التقطيع (١) تصويراً لحال زوال الريبة عنها. ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم أو في القبور أو في النار. وقرئ : يقطع ، بالياء. وتقطع ، بالتخفيف. وتقطع ، بفتح التاء بمعنى تتقطع. وتقطع قلوبهم ، على أن الخطاب للرسول أى إلا أن تقطع أنت قلوبهم بقتلهم. وقرأ الحسن : إلى أن. وفي قراءة عبد الله : ولو قطعت قلوبهم. وعن طلحة : ولو قطعت قلوبهم على خطاب الرسول أو كل مخاطب. وقيل : معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفاً على تفريطهم.
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١١١)
مثل الله إثابتهم بالجنة على بذلهم أنفسهم وأموالهم في سبيله بالشروى (٢). وروى : تاجرهم فأغلى لهم الثمن. وعن عمر رضى الله عنه فجعل لهم الصفقتين جميعاً. وعن الحسن أنفسا هو خلقها وأموالا هو رزقها. وروى أن الأنصار حين بايعوه على العقبة قال عبد الله بن رواحة : اشترط لربك ولنفسك ما شئت (٣). قال : أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم. قال : فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال : لكم الجنة. قالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل. ومرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابىّ وهو يقرؤها فقال : كلام من؟ قال كلام الله. قال : بيع والله مربح لا نقيله ولا نستقيله ، فخرج إلى الغزو فاستشهد (٤) (يُقاتِلُونَ) فيه معنى الأمر ، كقوله (تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)
__________________
(١) قوله «فيجوز أن يكون ذكر التقطيع» على قراءة (تَقَطَّعَ) بالتشديد ، مبنيا للمفعول. (ع)
(٢) قوله «في سبيله بالشروى» كالجدوى. في الصحاح والوشاح هي المثل. والظن أنها هنا اسم للاشتراء. (ع)
(٣) أخرجه الطبري من طريق أبى معشر عن محمد بن كعب القرظي وغيره ، قال «لما بايعت الأنصار ليلة العقبة ـ فذكره
(٤) ذكره الثعلبي هكذا بلا سند عن البصري مرسلا لكن سنده إلى الحسن البصري أول كتابه. قلت : أخرجه ابن أبى حاتم وابن مردويه من طريق أبى شيبة عن عطاء الخراساني عن جابر «نزلت هذه الآية على رسول الله ـ