وقرئ : فيقتلون ويقتلون على بناء الأوّل للفاعل والثاني للمفعول ، وعلى العكس (وَعْداً) مصدر مؤكد. أخبر بأن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت قد أثبته (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) كما أثبته في القرآن ، ثم قال (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) لأنّ إخلاف الميعاد قبيح لا يقدم عليه الكرام من الخلق مع جوازه عليهم لحاجتهم ، فكيف بالغنى الذي لا يجوز عليه القبيح قط ، ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن منه وأبلغ.
(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(١١٢)
(التَّائِبُونَ) رفع على المدح. أى : هم التائبون يعنى المؤمنين المذكورين. ويدل عليه قراءة عبد الله وأبىّ رضى الله عنهما : التائبين ، بالياء إلى : والحافظين ، نصباً على المدح. ويجوز أن يكون جراً صفة للمؤمنين. وجوّز الزجاج أن يكون مبتدأ خبره محذوف ، أى : التائبون العابدون من أهل الجنة أيضاً وإن لم يجاهدوا ، كقوله (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) وقيل : هو رفع على البدل من الضمير في يقاتلون. ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره العابدون ، وما بعده خبر بعد خبر ، أى : التائبون من الكفر على الحقيقة الجامعون لهذه الخصال. وعن الحسن : هم الذين تابوا من الشرك وتبرؤا من النفاق. و (الْعابِدُونَ) الذين عبدوا الله وحده وأخلصوا له العبادة وحرصوا عليها. و (السَّائِحُونَ) الصائمون شبهوا بذوي السياحة في الأرض في امتناعهم من شهواتهم. وقيل : هم طلبة العلم يسيحون في الأرض يطلبونه في مظانه.
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(١١٣)
قيل قال صلى الله عليه وسلم لعمه أبى طالب : أنت أعظم الناس علىَّ حقاً ، وأحسنهم عندي
__________________
ـ صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد (إِنَّ اللهَ اشْتَرى) فكبر الناس في المسجد. فأقبل رجل من الأنصار. فقال : أنزلت هذه الآية؟ فقال : نعم ، فقال بيع رابح. لا نقيل ولا نستقيل» وأخرجه عبد بن حميد : حدثنا إبراهيم هو ابن عبد الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة «لما نزلت هذه الآية (إِنَّ اللهَ اشْتَرى ...) قال رجل من الأنصار يا لها بيعة ، ما أربحها. والله لا نقيل ولا نستقيل» وأخرجه الطبري من طريق محمد بن كعب وغيره قالوا : قال عبد الله ابن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم «اشترط لربك ولنفسك ما شئت قال : أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا فإذا فعلتا ذلك فما لنا؟ قال الجنة قالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل».