غَدَاةَ طَفَتْ عَلْمَاءِ بَكْرُ بْنُ وَائِلِ (١)
وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً |
|
عَشِيَّةَ قَارَعْنَا جُذَامَ وَحِمْيَرَا (٢) |
إذَا جَاءَ يَوْماً وَارِثِى يَبْتَغِى الْغِنَى |
|
يَجِدْ جُمْعَ كَفّ غَيْرَ مَلْأَى وَلَا صِفْرِ (٣) |
__________________
(١) غداة طفت علماء بكر بن وائل |
|
وعاجت صدور الخيل شطر تميم |
المراد بالغداة مطلق الزمن ليناسب المدح. طفت ـ بالفاء ـ علت وارتفعت. ويروى بالغين ، والمراد : العلو أيضاً. وعلماء : أصله على الماء ، والمراد : ارتفع قدرهم في العز والمجد وانخفض غيرهم ، كما يرتفع الشيء على وجه الماء ويرسب الآخر. أو المعنى : أنهم طغوا بالغين على أطغى شيء كالماء ، فالماء طاغ على الناس وهم طاغون عليه. وفيه دلالة على الشجاعة. وبكر بن وائل : اسم أبى قبيله سميت هي باسمه. والوائل : أصله السابق الملتجئ. وعاجت : أى أمالت صدور خيلها. وإيقاع الموج على الصدور ، لأن السير والتحول من جهة إلى أخرى يظهران بها. وشطر : أى جهة قبيلة تميم.
(٢) وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة |
|
عشية قارعنا جذام وحميرا |
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه |
|
ببعض أبت عيدانه أن تكسرا |
لزفر بن الحرث الكلابي من التابعين شهد وقعة صفين وغيرها. ويقال في المثل : ما كل بيضاء شحمة ، ولا كل سوداء تمرة فما هنا تلميح له. والمراد بالعشية : مطلق الزمن لا آخر النهار فقط ، لدلالة المقام على ذلك. والمقارعة : المضاربة بالرماح والسيوف. ويروى : ليالي لاقينا. وجذام : اسم قبيلة سميت به ، وهي من اليمن كانت تنزل جبال حسمى ، يقال : هي أول ما انحسر عنه الطوفان لارتفاعها. وحمير : أبو قبيلة أيضا سميت باسمه. ويروى : جذاما ، بالتنوين للضرورة. والنبع : شجر تتخذ منه الرماح. يقول : كنا ظننا أنهم ضعفاء نظفر بهم كغيرهم ، فقوله «كل بيضاء شحمة» استعارة تمثيلية لذلك. وعشية : نصب بحسبنا ، فلما التقت الرماح بيننا أبت أن تتكسر. وشبهها بما يصح منه الاباء على طريق الكناية. وأبت تخييل ، وبعد ذلك فهو كناية عن قوة القبيلتين وعدم انخذالهما. وقيل : إنه يصفهما بالكرم وحسن القرى. فيكون الكلام كله بما فيه من المجاز والكناية ، منقول من هيئة التقاء الصفوف في الحرب إلى هيئة التقاء الضيفان مع المضياف وعدم عجزه عن قراهم على طريق التمثيل ، لكن العشية على حقيقتها. ومع توجيهنا له بذلك ، يبعده قوله «حسبنا كل بيضاء شحمة» وهو قول من لم يقف على بقية القصيدة ، فإنها مصرحة بأن المعنى محاربتهم إياهم ومكافأتهم لهم.
(٣) إذا جاء يوما وارثي يبتغى الغنا |
|
يجد جمع كف غير ملأى ولا صفر |
يجد فرسا مثل العنان وصار ما |
|
حساما إذا ما هز لم يرض بالهبر |
وأسمر خطيا كأن كعوبه |
|
نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر |
لحاتم الطائي. والمراد باليوم : مطلق الزمن ، بخلاف النهار فانه خاص بالمحدود الطرفين ، وهكذا غالب استعمال العرب ، والمراد بالغنى : التركة ، لأنها سببه. وجمع الكف ـ بالضم ـ : الكف المقبوضة ، فهو من إضافة الصفة للموصوف. والملأى : الممتلئة. وصفر الرجل ـ بالكسر ـ وأصفر فهو مصفر : افتقر. والصفر ـ بالضم ، وقيل بالكسر ـ : الخالي. والصارم : السيف القاطع. وحسم الشيء : قطعه بالحسام الشديد القطع. ويطلق على الحديد الحد. والهبر : قطع بضعة كثيرة من اللحم. والسمرة : لون بين البياض والأدمة. والخط : موضع تنسب له الرماح الجيدة. والكعب : ما بين العقدتين. والقسب : نوع من التمر صلب النوى. وريا الشيء وأربى : زاد ، وقد تقلب ـ