لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه فردّ علىّ كالمغضب بعد ما ذكرني وقال : ليت شعري ما خلف كعباً؟ فقيل له : ما خلفه إلا حسن برديه والنظر في عطفيه. فقال : معاذ الله ما أعلم إلا فضلا وإسلاماً (١) ونهى عن كلامنا أيها الثلاثة ، فتنكر لنا الناس ولم يكلمنا أحد من قريب ولا بعيد ، فلما مضت أربعون ليلة أمرنا أن نعتزل نساءنا ولا نقربهنّ ، فلما تمت خمسون ليلة إذا أنا بنداء من ذروة سلع (٢) : أبشر يا كعب بن مالك ، فخررت ساجداً وكنت كما وصفني ربى (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) وتتابعت البشارة ، فلبست ثوبي وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمين ، فقام إلىّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وقال : لتهنك توبة الله عليك ، فلن أنساها لطلحة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستنير استنارة القمر : «أبشر يا كعب بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» ثم تلا علينا الآية. وعن أبى بكر الورّاق أنه سئل عن التوبة النصوح فقال : إن تضيق على التائب الأرض بما رحبت ، وتضيق عليه نفسه ، كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٢١)
(مَعَ الصَّادِقِينَ) وقرئ : من الصادقين وهم الذين صدقوا في دين الله نية وقولا وعملا ، أو الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم لله ورسوله على الطاعة من قوله (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) وقيل : هم الثلاثة ، أى كونوا مثل هؤلاء في صدقهم وثباتهم. وعن ابن عباس
__________________
(١) متفق عليه من حديث عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك مطولا ، وقال فيه فقال رجل من بنى سلمة حبسه برداه فقال معاذ بن جبل : بئسما قلت ـ الحديث» قال المخرج : الوهم فيه من المصنف. وأخرجه أحمد وفيه : فقال رجل من قومي يا رسول الله خلفه برداه والنظر في عطفيه» وأفاد الواقدي في المغازي : أن الذي قال ذلك عبد الله بن قيس.
(٢) قوله «من ذروة سلع» سلع هو جبل بالمدينة ، اه من الصحاح. (ع)