رضى الله عنه : الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب ، أى كونوا مع المهاجرين والأنصار ، ووافقوهم وانتظموا في جملتهم ، واصدقوا مثل صدقهم. وقيل لمن تخلف من الطلقاء عن غزوة تبوك. وعن ابن مسعود رضى الله عنه (١) : ولا يصلح الكذب في جدّ ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجزه. اقرموا إن شئتم : وكونوا مع الصادقين. فهل فيها من رخصة؟ (وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) أمروا بأن يصحبوه على البأساء. والضراء ، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط ، وأن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه ، علما بأنها أعزُ نفس عند الله وأكرمها عليه ، فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدّة وهول ، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت (٢) فيما تعرضت له ، ولا يكترث لها أصحابها ولا يقيموا لها وزنا ، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه ، فضلا عن أن يربئوا (٣) بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه ، وهذا نهى بليغ ، مع تقبيح لأمرهم ، وتوبيخ لهم عليه ، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية (ذلِكَ) إشارة إلى ما دل عليه قوله: ما كان لهم أن يتخلفوا ، من وجوب مشايعته ، كأنه قيل ذلك الوجوب «ب» سبب (بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ) شيء من عطش ، ولا تعب. ولا مجاعة في طريق الجهاد ، ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار بحوافر خيولهم وأخفاف رواحلهم وأرجلهم ، ولا يتصرفون في أرضهم تصرفا يغيظهم ويضيق صدورهم (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) ولا يرزءونهم شيئا بقتل أو أسر أو غنيمة أو هزيمة أو غير ذلك (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) واستوجبوا الثواب ونيل الزلفى عند الله ، وذلك مما يوجب المشايعة. ويجوز أن يراد بالوطء الإيقاع والإبادة ، لا الوطء بالأقدام والحوافر ، كقوله عليه السلام (٤) : «آخر وطأة وطئها الله بوج (٥)» والموطئ إمّا مصدر كالمورد ، وإمّا مكان. فإن كان مكانا فمعنى يغيظ الكفار : يغيظهم وطؤه. والنيل أيضاً يجوز أن يكون مصدراً مؤكداً ، وأن يكون بمعنى المنيل. ويقال : نال منه إذا رزأه ونقصه ، وهو عام في كل ما يسوؤهم وينكيهم ويلحق بهم ضرراً. وفيه دليل على أن من قصد خيراً كان سعيه فيه مشكوراً من قيام وقعود
__________________
(١) أخرجه الثعلبي من رواية وهب بن جرير عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبى عبيدة عن أبيه ، موقوفا وكذا أخرجه إسحاق في مسنده عن وهب ورواه البيهقي في الشعب مختصراً. ورواه الحاكم مرفوعا بما من رواية أبى الأحوص عن عبد الله بن مسعود رفعه «لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ، ولا أن يعد الرجل ابنه ثم لا ينجزه».
(٢) قوله «تتهافت» أى تتساقط. (ع)
(٣) قوله «يربئوا» أى يرتفعوا. اه من الصحاح. (ع)
(٤) أخرجه أحمد وابن سعد والطبراني والبيهقي في الأسماء من حديث يعلى بن مرة الثقفي في أثناء حديث وأخرجه إسحاق والبيهقي أيضاً والطبراني من رواية عمر بن عبد العزيز قال : زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم.
(٥) قوله «بوج» هي بلد بالطائف اه صحاح. (ع)