ومشى وكلام وغير ذلك ، وكذلك الشر. وبهذه الآية استشهد أصحاب أبى حنيفة أنّ المدد القادم بعد انقضاء الحرب يشارك لنا الجيش في الغنيمة ، لأنّ وطء ديارهم مما يغيظهم وينكى فيهم ، ولقد أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لا بنى عامر وقد قدما بعد تقضى الحرب (١) ، وأمدّ أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه المهاجر بن أبى أمية وزياد بن أبى لبيد بعكرمة بن أبى جهل مع خمسمائة نفس ، فلحقوا بعد ما فتحوا فأسهم لهم (٢). عند الشافعي : لا يشارك المدد الغانمين. وقرأ عبيد ابن عمير : ظماء بالمدّ. يقال : ظمئ ظماءة وظماء (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً) ولو تمرة ولو علاقة سوط (وَلا كَبِيرَةً) مثل ما أنفق عثمان رضى الله عنه في جيش العسرة (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) أى أرضاً في ذهابهم ومجيئهم ، والوادي كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل ، وهو في الأصل «فاعل» من ودى إذا سال. ومنه الودي. وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض. يقولون : لا تصلّ في وادى غيرك (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ذلك من الإنفاق وقطع الوادي : ويجوز أن يرجع الضمير فيه إلى عمل صالح وقوله (لِيَجْزِيَهُمُ) متعلق بكتب أى أثبت في صحائفهم لأجل الجزاء.
(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١٢٢)
اللام لتأكيد النفي. ومعناه أن نفير الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح ولا ممكن (٣).
__________________
(١) لم أره هكذا. وقد عزاه الطيبي لأبى داود والترمذي. وفي الصحيحين عن أبى موسى بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي. أنا أصغرهم ـ الحديث قال : فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر إلا أصحاب سفينتنا».
(٢) أخرجه ابن أبى شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبى حبيب «أن أبا بكر بعث عكرمة بن أبى جهل ممدا للمهاجر بن أبى أمية ، وزياد بن أسد. فانتهوا إلى القوم وقد فتح عليهم. قال : فأشركهم في الغنيمة» رواه الواقدي في المغازي : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عقبة عن الحرث بن فضيل قال : لما جاء كتاب زياد بن لبيد ـ فذكر نحوه.
(٣) قال محمود : «معناه أن نفير الكافة لطلب العلم غير ممكن ... الخ». قال أحمد : قوله (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) على التفسير الأول : أمر لا نهى. وعلى الثاني : خبر والمراد به النهى ، لأنه في الأول راجع إلى تنفير أهل البوادي إلى المدينة للتفقه ، وهذا لو أمكن الجميع فعله لكان جائزاً أو واجبا ، وإن لم يمكن وجب على بعضهم القيام عن باقيهم على طريق وجوب الكفاية. وأما في الثاني فلأن المؤمنين نفروا من المدينة للجهاد أجمعين وكان ذلك ممكنا بل واقعا ، فنهوا عن إطراح التفقه بالكلية وأمروا به أمر كفاية والله أعلم. قال أحمد : ولا أجد في تأخرى عن حضور الغزاة عذراً إلا صرف الهمة لتحذير هذا المصنف ، فانى تفقهت في أصل الدين وقواعد العقائد مؤيداً بآيات الكتاب العزيز مع ما اشتمل عليه من صيانة حوزتها من مكايد أهل البدع والأهواء ، وأنا مع ذلك أرجو من الله حسن التوجه بلغنا الله الخير ، ووفقنا لما يرضيه ، وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.