أحداً منهم ، وقيل خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد خطاب أمته. ومعناه : فإن كنتم في شك مما أنزلنا إليكم ، كقوله (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) وقيل : الخطاب للسامع ممن يجوز عليه الشك ، كقول العرب : إذا عز أخوك فهن. وقيل : «إن» للنفي ، أى : فما كنت في شك فاسأل ، يعنى : لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك ، ولكن لتزداد يقينا ، كما ازداد إبراهيم عليه السلام بمعاينه إحياء الموتى. وقرئ : فاسأل الذين يقرؤن الكتب.
(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ)(٩٧)
(حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفاراً فلا يكون غيره. وتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدّر ومراد (١) تعالى الله عن ذلك.
(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(٩٨)
(فَلَوْ لا كانَتْ) فهلا كانت (قَرْيَةٌ) واحدة من القرى التي أهلكناها ، تابت عن الكفر وأخلصت الإيمان قبل المعاينة وقت بقاء التكليف ، ولم تؤخر كما أخر فرعون إلى أن أخذ بمخنقه (فَنَفَعَها إِيمانُها) بأن يقبله الله منها لوقوعه في وقت الاختيار. وقرأ أبىّ. وعبد الله : فهلا كانت (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) استثناء من القرى ، لأنّ المراد أهاليها ، وهو استثناء منقطع بمعنى : ولكن قوم يونس لما آمنوا. ويجوز أن يكون متصلا والجملة في معنى النفي ، كأنه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس ، وانتصابه على أصل الاستثناء. وقرئ بالرفع على البدل ، هكذا روى عن الجرمي والكسائي. روى أن يونس عليه السلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه ، فذهب عنهم مغاضباً ، فلما فقدوه خافوا نزول العذاب ، فلبسوا المسوح ، وعجوا (٢) أربعين ليلة. وقيل : قال لهم يونس : إن أجلكم أربعون ليلة ، فقالوا : إن رأينا أسباب الهلاك آمنا بك ، فلما مضت خمس وثلاثون أغامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخاناً شديداً ثم يهبط حتى يغشى مدينتهم ويسوّد سطوحهم فلبسوا المسوح وبرزوا إلى
__________________
(١) قوله «لا كتابة مقدر ومراد» مبنى على مذهب المعتزلة أن الله لا يريد الشر. وذهب أهل السنة إلى أنه تعالى يريد كل كائن خيرا كان أو شرا. (ع)
(٢) قوله «وعجوا» أى رفعوا أصواتهم. أفاده الصحاح. (ع)