قلت : للاتحاد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، خصوصاً بينه وبين الصديق أبى بكر رضى الله تعالى عنه.
(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)(٧٣)
فإن قلت : علام عطف قوله (وَأَنْ أَقِيمُوا) (١)؟ قلت : على موضع (لِنُسْلِمَ) كأنه قيل : وأمرنا أن نسلم ، وأن أقيموا. ويجوز أن يكون التقدير : وأمرنا لأن نسلم ، ولأن أقيموا : أى للإسلام ولإقامة الصلاة (قَوْلُهُ الْحَقُ) مبتدأ. ويوم يقول : خبره مقدّما عليه ، وانتصابه بمعنى الاستقراء ، كقولك : يوم الجمعة القتال. واليوم بمعنى الحين. والمعنى : أنه خلق السموات والأرض قائما بالحق والحكمة ، وحين يقول لشيء من الأشياء (كُنْ) فيكون ذلك الشيء قوله الحق والحكمة ، أى لا يكون شيأ من السموات والأرض وسائر المكونات إلا عن حكمة وصواب. و (يَوْمَ يُنْفَخُ) ظرف لقوله (وَلَهُ الْمُلْكُ) كقوله (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ ويجوز أن يكون (قَوْلُهُ الْحَقُ) فاعل يكون ، على معنى : وحين يقول لقوله الحق ، أى لقضائه الحق (كُنْ) فيكون قوله الحق. وانتصاب اليوم لمحذوف (٢) دلّ عليه قوله (بِالْحَقِ) كأنه قيل : وحين يكوّن ويقدّر يقوم بالحق (عالِمُ الْغَيْبِ) هو عالم الغيب ، وارتفاعه على المدح.
__________________
ـ مرادة من جميعهم ، وأما إذا كانت اللام هي التي تصحب المصدر كما يقول الزجاج : تقديره الأمر للإسلام وكذلك يقول في قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) الارادة للبيان وهي اللام التي تصحب المفعول عند تقدمه في قولك : لزيد ضربت ، فهي على هذا الوجه غير محتاجة للتأويل. وقد قيل إنها بمعنى أن كأنه قيل : وأمرنا أن نسلم قال هذا القائل. وكى ولام كى في أمرت وأردت خاصة ، بمعنى «أن» لا على بابها من التعليل. والغرض من دخولها إفادة الاستقبال على وجه أوثق وأبلغ ، إذ لا يتعلق هذان المعنيان ـ أعنى الأمر والارادة ـ إلا بمستقبل ، وقد جمع بين
الثلاثة اللام وكى وأن ، في قوله |
|
أردت لكيما أن يطير ... |
«البيت» وهذا الوجه أيضا سالم المعنى من الخلل الذي يعتقده الزمخشري ، والمحافظة على العقيدة. وقد وجدنا السبيل إلى ذلك بحمد الله متعينة ، والله الموفق.
(١) عاد كلامه. قال : «فان قلت علام عطف قوله : وأن أقيموا ... الخ»؟ قال أحمد : وهذا مصداق القول بأن لنسلم معناه أن نسلم ، وأن اللام فيه رديفة «أن» لا يراد عطفها عليها ، فذلك هو الوجه الصحيح إن شاء الله. وفي ورود (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) محكيا بصيغته ، وورود «نسلم» محكيا بمعناه ، إذ الأصل المطابق لأقيموا : أسلموا ، مصداق لما قدمته عند قوله تعالى (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) وبينت ثم أن ذلك جائز على أن يكون عيسى عليه السلام حكى قول الله تعالى : اعبدوا الله ربكم ورب عيسى بمعناه فقال : اعبدوا الله ربى وربكم ، فهذا مثله حكاية المعنى دون اللفظ ، والله أعلم.
(٢) قوله «لمحذوف» لعله «بمحذوف». (ع)