إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٧١)
(قُلْ أَنَدْعُوا) أنعبد (مِنْ دُونِ اللهِ) الضارّ النافع ما لا يقدر على نفعنا ولا مضرتنا (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) راجعين إلى الشرك بعد إذ أنقذنا الله منه وهدانا للإسلام(كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ) كالذي ذهبت به مردة الجن والغيلان (فِي الْأَرْضِ) المهمه (١) (حَيْرانَ) تائهاً ضالا عن الجادة لا يدرى كيف يصنع (لَهُ) أى لهذا المستهوى (أَصْحابٌ) رفقة (يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) إلى أن يهدوه الطريق المستوى. أو سمى الطريق المستقيم بالهدى ، يقولون له (ائْتِنا) وقد اعتسف المهمه تابعاً للجن لا يجيبهم ولا يأتيهم. وهذا مبنى على ما تزعمه العرب وتعتقده : أن الجنّ تستهوى الإنسان ، والغيلان تستولى عليه ، كقوله (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) فشبه الضالّ عن طريق الإسلام التابع لخطوات الشيطان والمسلمون يدعونه إليه فلا يلتفت إليهم (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ) وهو الإسلام (هُوَ الْهُدى) وحده وما وراءه ، ضلال وغىّ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً). (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ). فإن قلت : فما محل الكاف في قوله (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ)؟ قلت النصب على الحال من الضمير في (نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) أى : أننكص مشبهين من استهوته الشياطين؟ فإن قلت : ما معنى (اسْتَهْوَتْهُ)؟ قلت : هو استفعال ، من هوى في الأرض إذا ذهب فيها ، كأن معناه : طلبت هويه وحرصت عليه. فإن قلت : ما محل (أُمِرْنا) قلت : النصب عطفاً على محل قوله (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) على أنهما مقولان ، كأنه قيل : قل هذا القول وقل أمرنا لنسلم. فإن قلت : ما معنى اللام في (لِنُسْلِمَ)؟ قلت : هي تعليل للأمر ، بمعنى : أمرنا وقيل لنا أسلموا لأجل أن نسلم. فإن قلت : فإذا كان هذا وارداً في شأن أبى بكر الصديق رضى الله عنه (٢) فكيف قيل للرسول عليه الصلاة والسلام قل أندعوا؟
__________________
(١) قوله «الأرض المهمه» أى المفازة المتسعة. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) عاد كلامه. قال : «فان قلت إذا كان هذا وارداً في أبى بكر فكيف قيل للرسول عليه الصلاة والسلام (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ...) الخ؟ قال أحمد : هو مبنى على أن الأمر هو الارادة ، أو من لوازمه إرادة المأمور به ، وهذا الاعراب منزل على معتقده هذا. وأما أهل السنة فكما علمت أن الأمر عندهم غير الارادة ولا يستلزمها. وقولهم في هذه اللام كقولهم (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) من نفى كونها تعليلا. والوجه في ذلك أنهم لما أوضحت لهم الآيات البينات وأزيحت عنهم العلل وتمكنوا من الإسلام والعبادة امتثالا للأمر جعلوا بمثابة من أريد منهم ذلك تمكيناً لحضهم على الامتثال ولقطع أعذارهم إذا فعل بهم فعل المراد منهم ذلك ، وما شأن المريد للشيء إذا كان قادراً على حصوله أن يزيح العلل ويرفع الموانع ، وكذلك فعل مع المكلفين وإن لم تكن الطاعة ـ