من إرادة القول. والكلامان : أن يكون (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) جملة من مبتدإ وخبر مقتضبة ، أى بسم الله إجراؤها وإرساؤها. يروى أنه كان إذا أراد أن تجرى قال : بسم الله فجرت ، وإذا أراد أن ترسو قال : بسم الله فرست. ويجوز أن يقحم الاسم (١) ، كقوله :
ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا (٢)
ويراد : بالله إجراؤها وإرساؤها ، أى بقدرته وأمره. وقرئ (مَجْراها وَمُرْساها) بفتح الميم ، من جرى ورسى ، إما مصدرين أو وقتين أو مكانين. وقرأ مجاهد : مجريها ومرسيها ، بلفظ اسم الفاعل ، مجرورى المحل ، صفتين لله. فإن قلت : ما معنى قولك : جملة مقتضية؟ قلت : معناه أن نوحا عليه السلام أمرهم بالركوب ، ثم أخبرهم بأن مجراها ومرساها بذكر اسم الله أو بأمره وقدرته. ويحتمل أن تكون غير مقتضية بأن تكون في موضع الحال كقوله :
وَجَاؤُنَا بِهِمْ سَكَرٌ عَلَينَا (٣)
فلا تكون كلاما برأسه ، ولكن فضلة من فضلات الكلام الأوّل ، وانتصاب هذه الحال عن
__________________
(١) قال محمود : «ويجوز أن يقحم الاسم ... الخ» قال أحمد : نفور من اعتقاد أن الاسم هو المسمى ، ولو اعتقد ذلك لما جعله مقحما ، والله أعلم.
(٢) تمنى ابنتاى أن يعيش أبوهما |
|
وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر |
فان حان يوما أن يموت أبو كما |
|
فلا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر |
وقولا هو المرء الذي لا صديقه |
|
أهان ولا خان الأمين ولا غدر |
إلى الحول تم اسم السلام عليكما |
|
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر |
للبيد بن ربيعة العامري ، يوصى ابنتيه أسماء ويسرة. وتمنى : ماض ، أو مضارع حذف منه إحدى التاءين ، والاستفهام إنكارى وهو كناية عن تحتم الموت. ويوما : ظرف لحان. والمراد به : مطلق الزمن. وأن يموت : فاعل. وخمش وجهه خمشا : جرحه بأظفاره ، أى : لا تبالغا في الجزع حتى تفعلا ذلك ، ووقف على شعر منصوب بصورة المرفوع على لغة ، نهاهما عن الجزع وأمرهما بعد مناقبه. وصديقه : مفعول مقدم ، وإلى الحول : متعلق بقولا ، ولفظ «اسم» مقحم بين ثم ولفظ السلام ، لأنه أراد تحيتهما بهذا اللفظ بخصوصه وإن أفاد غيره معناه. وقيل : أقحمه إشارة إلى أنه لا أمان لهما بعد موته ، وفي «ثم» إيماء إلى أنه لم يسلم الآن ، وإنما ذلك بعد الحول ، والمراد أنه لا يخطر ببالهما ولا يحزنا عليه بعد ذلك ، فعبر عنه بسلام الموادعة الذي يلزمه الافتراق ، والافتراق يلزمه عدم التذكر عادة. ويحتمل أن المراد الدلالة على أن الوصية قد تمت ، ثم قال : ومن يبك مصابه حولا كاملا فقد أبلغ في العذر ، كأنه يعتذر عن سكوته بأنه أدى ما عليه ، أى : وأنتما كذلك.
(٣) وجاءونا بهم سكر علينا |
|
فأجلى القوم والسكران صاحى |
السكر والسكر : كالبعد والبعد ، و «بهم سكر» جملة حالية. و «علينا» متعلق بسكر : أى جاءنا القوم غضابا علينا ، فانكشفوا عن مكان الحرب ومضوا عنه. والحال أن السكران منهم مفلق من سكره. ويروى «فأجلى اليوم» أى زال ومضى ، أو انكشفت ظلمة الحرب في ذلك اليوم : أى لم يلبثوا إلا هو والحال أن الذي كان سكران صاح من سكره ، لعلمه أنه ليس أهلا لذلك ، فأجلى هنا لازم.