(قَوْمِ هُودٍ) عطف بيان لعاد : فإن قلت : ما الفائدة في هذا البيان (١) والبيان حاصل بدونه؟ قلت : الفائدة فيه أن يوسموا بهذه الدعوة وسما ، وتجعل فيهم أمراً محققاً لا شبهة فيه بوجه من الوجوه ، ولأنّ عاداً عادان : الأولى القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم ، والأخرى إرم.
(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ
__________________
ـ لفاطمة بنت الأحجم الخزاعية. وتقول العرب : بعد بالضم في ضد القرب ، وبالكسر في الهلاك ، ومضارع الأول مضموم ، ومضارع الثاني مفتوح. وما في البيت منه. وما أمر : تعجب ، وشبهت العيش وهو الحياة أو ما يعاش به بشيء مر على طريق المكنية ، وإثبات المرارة تخييل ، أو استعارتها للنقص على طريق التصريحية. والنكد : العسر الضيق المنغص. والثمد : الماء القليل الذي لا مادة له فينقطع سريعاً. ورجل مثمود ، إذا كثر عليه السؤال من العلم أو المال حتى نفد ما عنده. والمعنى : أن سروري بعدكم منقطع كالماء القليل ، وعبرت بذلك لمشاكلة ما قبله. ويروى لها بعد البيت الأول :
لو تملتهم عشيرتهم |
|
لاقتناء العز أو ولدوا |
هان من بعض الرزية أو |
|
هان من بعض الذي أجد |
كل ما حى وإن أمروا |
|
وارد والحوض الذي وردوا |
ومعنى تملتهم : عاشوا معهم مليا من الزمان ، وأقحمت «من» مع إغباء «بعض» عنها ، للدلالة على تبغيض البغض. و «ما» مقحمة ، بنى كل حى مبالغة في العموم. وأمروا بالكسر : كثروا. والحوض : تمثيل للموت.
(١) قال محمود : «إن قلت ما الفائدة في هذا البيان وجعل قوم هود عطف بيان على عاد ... الخ» قال أحمد : فيه أيضا فائدتان جليلتان ، إحداهما : النسبة بذكر هود الذي إنما استحقوا الهلاك بسببه على موجب الدعاء عليهم ، وكأنه قيل : عاد قوم هود الذي كذبوه ، والأخرى تناسب الآي بذلك ، فان قبلها (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) وقبل ذلك حفيظ وغليظ ، وغير ذلك مما هو على وزن فعيل المناسب لفعول في القوافي ، والله أعلم.