يقين أنه على بينة ، لأنّ خطابه للجاحدين ، فكأنه قال : قدّروا أنى على بينة من ربى ، وأنى نبىّ على الحقيقة ، وانظروا إن تابعتكم وعصيت ربى في أوامره ، فمن يمنعني من عذاب الله؟ (فَما تَزِيدُونَنِي) إذن حينئذ (١) (غَيْرَ تَخْسِيرٍ) يعنى تخسرون أعمالى وتبطلونها. أو فما تزيدونني بما تقولون لي وتحملوننى عليه غير أن أخسركم ، أى أنسبكم إلى الخسران وأقول لكم إنكم خاسرون (آيَةً) نصب على الحال قد عمل فيها ما دلّ عليه اسم الإشارة من معنى الفعل. فإن قلت : فبم يتعلق (لَكُمْ) قلت : بآية حالا منها متقدّمة ، لأنها لو تأخرت لكانت صفة لها ، فلما تقدمت انتصبت على الحال (عَذابٌ قَرِيبٌ) عاجل لا يستأجر عن مسكم لها بسوء إلا يسيراً ، وذلك ثلاثة أيام ثم يقع عليكم (تَمَتَّعُوا) استمتعوا بالعيش (فِي دارِكُمْ) في بلدكم. وتسمى البلاد الديار ، لأنه يدار فيها أى يتصرف. يقال : ديار بكر ، لبلادهم. وتقول العرب الذين حوالى مكة : نحن من عرب الدار ، يريدون من عرب البلد. وقيل : في دار الدنيا. وقيل : عقروها يوم الأربعاء وهلكوا يوم السبت (غَيْرُ مَكْذُوبٍ) غير مكذوب فيه ، فاتسع في الظرف بحذف الحرف وإجرائه مجرى المفعول به ، كقولك : يوم مشهود ، من قوله :
وَيَوْمَ شَهِدْنَاهُ. (٢) ....
أو على المجاز ، كأنه قيل للوعد : نفى بك ، فإذا وفي به فقد صدق ولم يكذب. أو وعد غير كذب ، على أنّ المكذوب مصدر كالمجلود والمعقول ، وكالمصدوقة بمعنى الصدق (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) قرئ مفتوح الميم لأنه مضاف إلى إذ ، وهو غير متمكن ، كقوله :
عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا (٣)
__________________
(١) قوله «إذن حينئذ» لعل إحداهما مزيدة. (ع)
(٢) ويوم شهدناه سليما وعامرا |
|
قليل سوى الطعن النهال نوافله |
يقول : ورب يوم شهدنا فيه ، فحذف الجار وأوصل الضمير بالفعل ، فصار الفعل كأنه متعد لمفعولين : الأول الضمير ، والثاني : سليما ، أى قبيلتيهما «قليل» صفة ليوم. و «نوافله» فاعل به ، وقلة الغنائم لأن قومه لا تراعى حيازتها. أو المعنى أن أعداءه لا ينالون من قومه إلا الطعن ، تهكما بهم ، فالاستثناء متصل. ويجوز أنه منقطع. ووصف المفرد بالجمع باعتبار أنواعه أو مراته ، فهو متعدد أيضا. والنهال : جمع ناهل ، أى ريان أو عطشان على التشبيه هنا ، فهو من الأضداد ، ووصف الطعن بأنه ناهل مجاز عقلى ، لأن الذي يوصف به الرمح أو الفارس. والمعنى : أنهم يتشفون من غيظ قلوبهم بذلك الطعن.
(٣) على حين عاتبت المشيب على الصبا |
|
فقلت ألما أصح والشيب وازع |
النابغة الذبياني ، وبنى حين على الفتح لاضافته إلى مبنى ، وشبه المشيب بمن يصح معه العتاب على طريق المكنية والعتاب تخييل ، ويحتمل أن إيقاع العتاب على المشيب مجاز عقلى. والمعنى : عاتبت نفسي زمن الشيب على الصبا ، أى الميل إلى الهوى كما يفعل الشبان. وقوله «فقلت» بيان العتاب ، أى : إلى الآن لم أفق من سكرة الصبا ، والحال ـ