مضروباً لجمع الناس له ، وأنه الموصوف بذلك صفة لازمة ، وهو أثبت أيضاً لإسناد الجمع إلى الناس ، وأنهم لا ينفكون منه ، ونظيره قول المتهدد : إنك لمنهوب مالك محروب قومك ، فيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل ، وإن شئت فوازن بينه وبين قوله (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) تعثر على صحة ما قلت لك. ومعنى يجمعون له : يجمعون لما فيه من الحساب والثواب والعقاب (يَوْمٌ مَشْهُودٌ) مشهود فيه ، فاتسع في الظرف (١) بإجرائه مجرى المفعول به ، كقوله :
وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْما وَعَامِراً (٢)
أى يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد. والمراد بالمشهود : الذي كثر شاهدوه. ومنه قولهم : لفلان مجلس مشهود ، وطعام محضور. قال :
فِى مَحْفِلٍ مِنْ نَوَاصِى النَّاسِ مَشْهُودِ (٣)
فإن قلت : فما منعك أن تجعل اليوم مشهوداً في نفسه دون أن تجعله مشهوداً فيه ، كما قال الله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)؟ قلت : الغرض وصف ذلك اليوم بالهول والعظم وتميزه من بين الأيام ، فإن جعلته مشهوداً في نفسه فسائر الأيام كذلك مشهودات كلها ، ولكن يجعل مشهوداً فيه حتى يحصل التميز كما تميز يوم الجمعة عن أيام الأسبوع بكونه مشهوداً فيه دونها ، ولم يجز أن يكون مشهوداً في نفسه ، لأنّ سائر أيام الأسبوع مثله يشهدها كل من يشهده ، وكذلك قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) الشهر منتصب ظرفاً لا مفعولا به ، وكذلك الضمير في (فَلْيَصُمْهُ) والمعنى : فمن شهد منكم في الشهر فليصم فيه ، يعنى : فمن كان منكم مقيما حاضراً لوطنه في شهر رمضان
__________________
(١) قال محمود : «المراد مشهود فيه فاتسع في الظرف ... الخ» قال أحمد : يكون المشهود الذي هو المفعول به مسكونا عنه مبهما ، ومن الإبهام ما يكون تفخيما ، وهذا مكانه.
(٢) تقدم شرح هذا الشاهد بهذا الجزء صفحة ٤٠٨ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣) من الخصوم إذا حد الضجاج بهم |
|
بعد ابن سعد ومن الضمر القود |
ومشهد قد كفيت الغائبين به |
|
في محفل من نواصي القوم مشهود |
فرجته بلسان غير ملتبس |
|
عند الحفاظ وقلب غير مزؤد |
لأم قيس الضبية. وضج ضجيجاً وضجاجا : صاح. وضج البعير من الحمل : تعب من ثقله ، والضمر بالتشديد : جمع ضامر. وفرس أقود : طويل العنق. ورجل أقود : يقبل بوجهه ولا ينثني. والقرد : جمعه. ومشهد : عطف على الخصوم. ويجوز جره برب ، أى مجلس كفيت فيه الغائبين عنه بالتكلم عنهم بين محفل من رؤساء الناس وأشرافهم ، فالنواصى : استعارة لهم. وفرجته ، فككت كربته ، وكشفت غمته بكلام واضح الدلالة صادر عن قلب مطمئن غير خائف عند الحفاظ ، أى غيرة الخصوم ومحافظة كل منهم على رأيه أو المغاضبة. ويقال : أحفظه إحفاظاً إذا أغضبه.