قراءة العامّة بفتح الشين. وعن الحسن (شَقُوا) بالضم ، كما قرئ (سُعِدُوا). والزفير : إخراج النفس. والشهيق : ردّه. قال الشماخ :
بَعِيدُ مَدَى التَّطْرِيبِ أَوَّلُ صَوْتِهِ |
|
زَفِيرٌ وَيَتْلُوهُ شَهِيقٌ مُحَشْرَجُ (١) |
(ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فيه وجهان ، أحدهما : أن تراد سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة للأبد. والدليل على أن لها سموات وأرضاً قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) وقوله. (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) ولأنه لا بدّ لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم : إمّا سماء يخلقها الله ، أو يظلهم العرش ، وكل ما أظلك فهو سماء. والثاني أن يكون عبارة عن التأييد ونفى الانقطاع ، كقول العرب : ما دام تعار ، وما أقام ثبير ، وما لاح كوكب ، وغير ذلك من كلمات التأبيد. فإن قلت : فما معنى الاستثناء؟ قلت : هو استثناء من الخلود في عذاب النار ، ومن الخلود في نعيم الجنة : وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده ، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار ، وبما هو أغلظ منها كلها وهو سخط الله عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم ، وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وأجل موقعاً منهم ، وهو رضوان الله ، كما قال (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) ولهم ما يتفضل الله به عليهم سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه إلا هو ، فهو المراد بالاستثناء. والدليل عليه قوله (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ومعنى قوله في مقابلته (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) أنه يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب ، كما يعطى أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له ، فتأمّله فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا ، ولا يخدعنك عنه قول المجبرة (٢). إنّ المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة ، فإنّ الاستثناء الثاني ينادى على تكذيبهم ويسجل بافترائهم. وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض النوابت (٣)
__________________
(١) للشماخ يصف حمار وحشى. والمدى : المسافة والغاية. والتطريب : ترديد الصوت وترخيمه. والزفير : إخراج النفس بشدة. والمحشرج اسم مفعول : الصوت الذي يردده في حلقه وصدره.
(٢) قوله «ولا يخدعنك عنه قول المجبرة» يريد أهل السنة. أما المعتزلة فيقولون : فاعل الكبيرة واسطة بين المؤمن والكافر وخلوده في النار أبدى ، وتحقيق بطلانه في علم التوحيد. (ع)
(٣) قوله «لما روى لهم بعض النوابت» في الصحاح : إن بنى فلان لنابتة شر. والنوابت من الأحداث الأعمار. (ع)