فعلت ما يفعل المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده ، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه ، وهي عبارة عن التحمل لمواقعته إياها (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) قيل : كانت سبعة. وقرئ (هَيْتَ) بفتح الهاء وكسرها مع فتح التاء ، وبناؤه كبناء أين ، وعيط. وهيت كجير وهيت كحيث. وهثت بمعنى تهيأت. يقال : هاء يهيء ، كجاء يجيء : إذا تهيأ. وهيئت لك. واللام من صلة الفعل. وأما في الأصوات فللبيان (١) كأنه قيل : لك أقول هذا ، كما تقول : هلم لك (مَعاذَ اللهِ) أعوذ بالله معاذاً (إِنَّهُ) إن الشأن والحديث (رَبِّي) سيدي ومالكى ، يريد قطفير (أَحْسَنَ مَثْوايَ) حين قال لك أكرمى مثواه ، فما جزاؤه أن أخلفه في أهله سوء الخلافة وأخونه فيهم (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الذين يجازون الحسن بالسيئ. وقيل : أراد الزناة لأنهم ظالمون أنفسهم. وقيل : أراد الله تعالى ، لأنه مسبب الأسباب.
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ)(٢٤)
همّ بالأمر إذا قصده وعزم عليه. قال :
هَمَمْتُ وَلَمْ أفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِى |
|
تَرَكْتُ عَلَى عُثْمانَ تَبْكى حَلَائِلُهْ (٢) |
ومنه قولك : لا أفعل ذلك ولا كيداً ولا هما. أى ولا أكاد أن أفعله كيداً ، ولا أهم بفعله هماً ، حكاه سيبويه ، ومنه : الهمام وهو الذي إذا همّ بأمر أمضاه ولم ينكل عنه. وقوله (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) معناه. ولقد همت بمخالطته (وَهَمَّ بِها) وهمّ بمخالطتها (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) جوابه محذوف ، تقديره : لو لا أن رأى برهان ربه لخالطها ، فحذف ، لأنّ قوله (وَهَمَّ بِها) يدل
__________________
(١) قوله «وأما في الأصوات فللبيان» في الصحاح : هيت به وهوت به ، أى صاح به ودعاه. وفيه أيضا قولهم «هيت لك» أى هلم لك وفيه. هلم يا رجل ـ بفتح الميم ـ : بمعنى تعالى. (ع)
(٢) لعمير بن ضابئ البرجمي ، دخل على عثمان وهو مقتول فوطئ بطنه وكسر ضلعه وقال : عزمت على قتل عثمان ولم أقتله ، وكدت أن أفعل وليتني قتلته. وكنى عن ذلك بقوله : «تركت على عثمان تبكى حلائله» وهو من باب التنازع. وأصله : تركت على عثمان حلائله تبكى فجعل حلائله فاعلا. وحذف مفعول تركت الأول لعلمه من الكلام ، ولأنه فضلة وهي لا تضمر في هذا الباب. والمعنى ليتني قتلته فصيرت نساءه تبكى عليه ، ودخل هذا الرجل على الحجاج وقال : يا أمير المؤمنين : أنا شيخ ضعيف ، وخرج اسمى في هذا البعث ، فاقبل ابني بديلا عنى فقبله منه وخرج فقال عتبة بن سعيد : أيها الأمير ، هذا هو الذي فعل بعثمان كذا وكذا ، فقال : ردوه على ، فقال له : أيها الشيخ ، هلا بعثت إلى عثمان أمير المؤمنين بديلا يوم الدار؟ إن في قتلك صلاحا ، يا حرسى ، اضربا عنقه. أمير الحرسي بقتله وخاطبه خطاب المثنى على لغة الحرس الذين نسب المخاطب إليهم هذا. وقيل : إن القصة مع ضابئ نفسه ، وأن عثمان كان حبسه في هجوه بنى نهشل ، فلما قتل عثمان أفلت وفعل به ذلك.