عاضا على أنملته. وقيل : ضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله. وقيل : كل ولد يعقوب له اثنا عشر ولداً إلا يوسف ، فإنه ولد له أحد عشر ولداً من أجل ما نقص من شهوته حين همّ ، وقيل : صيح به : يا يوسف ، لا تكن كالطائر : كان له ريش ، فلما زنى قعد لا ريش له. وقيل : بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم ، مكتوب فيها (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ) فلم ينصرف ، ثم رأى فيها (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) فلم ينته ، ثم رأى فيها (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) فلم ينجع فيه ، فقال الله لجبريل عليه السلام : أدرك عبدى قبل أن يصيب الخطيئة ، فانحط جبريل وهو يقول : يا يوسف ، أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء؟ وقيل : رأى تمثال العزيز. وقيل : قامت المرأة إلى صنم كان هناك فسترته وقالت : أستحيى منه أن يرانا. فقال يوسف استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر ، ولا أستحيى من السميع البصير ، العليم بذوات الصدور. وهذا ونحوه. مما يورده أهل الحشو والجبر (١) الذين دينهم بهت الله تعالى وأنبيائه ، وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بحمد الله بسبيل ، ولو وجدت من يوسف عليه السلام أدنى زلة لنعيت عليه وذكرت توبته واستغفاره ، كما نعيت على آدم زلته ، وعلى داود ، وعلى نوح ، وعلى أيوب. وعلى ذى النون ، وذكرت توبتهم واستغفارهم ، كيف وقد أثنى عليه وسمى مخلصاً ، فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام الدحض ، وأنه جاهد نفسه مجاهدة أولى القوّة والعزم ، ناظراً في دليل التحريم ووجه القبح ، حتى استحق من الله الثناء فيما أَنزل من كتب الأولين ، ثم في القرآن الذي هو حجة على سائر كتبه ومصداق لها ، ولم يقتصر إلا على استيفاء قصته وضرب سورة كاملة عليها ، ليجعل له لسان صدق في الآخرين ، كما جعله لجدّه الخليل إبراهيم عليه السلام ، وليقتدى به الصالحون إلى آخر الدهر في العفة وطيب الإزار والتثبت في مواقف العثار ، فأخزى الله أولئك في إيرادهم ما يؤدّى إلى أن يكون إنزال الله السورة التي هي أحسن القصص في القرآن العربي المبين ليقتدى بنبي من أنبياء الله ، في القعود بين شعب الزانية وفي حل تكته للوقوع عليها ، وفي أن ينهاه ربه بثلاث كرّات ويصاح به من عنده ثلاث صيحات بقوارع القرآن ، وبالتوبيخ العظيم ، وبالوعيد الشديد ، وبالتشبيه بالطائر الذي سقط ريشه حين سفد غير أنثاه ، وهو جاثم في مربضه لا يتحلحل ولا ينتهى ولا ينتبه ، حتى يتداركه الله بجبريل وبإجباره. ولو أن أوقح الزناة وأشطرهم وأحدهم حدقة وأصلحهم وجهاً لقى بأدنى ما لقى به
__________________
(١) قوله مما يورده أهل الحشو والجبر الذين دينهم بهت الله تعالى» يريد بهم أهل السنة ، ويريد بأهل العدل المعتزلة. وبهت الشخص : نسبه إلى قبيح لم يفعله ، ولو لا أن ذلك دائر بين السلف لما أوردوه. (ع)