رؤياه فيؤوّلها له ، فقالا له ذلك. أو من العلماء ، لأنهما سمعاه يذكر للناس ما علما به أنه عالم. أو من المحسنين إلى أهل السجن. فأحسن إلينا بأن تفرّج عنا الغمة بتأويل ما رأينا إن كانت لك يد في تأويل الرؤيا. روى أنه كان إذا مرض رجل منهم قام عليه ، وإذا أضاق وسع له ، وإذا احتاج جمع له. وعن قتادة : كان في السجن ناس قد انقطع رجاؤهم وطال حزنهم ، فجعل يقول : أبشروا. اصبروا تؤجروا ، إنّ لهذا لأجرا ، فقالوا : بارك الله عليك ما أحسن وجهك وما أحسن خلقك! لقد بورك لنا في جوارك ، فمن أنت يا فتى؟ قال ، أنا يوسف ابن صفىّ الله يعقوب ابن ذبيح الله إسحاق ابن خليل الله إبراهيم ، فقال له عامل السجن : لو استطعت خليت سبيلك ، ولكنى أحسن جوارك ، فكن في أى بيوت السجن شئت. وروى أن الفتيين قالا له إنا لنحبك من حين رأيناك ، فقال : أنشد كما بالله أن لا تحبانى ، فو الله ما أحبنى أحد قط إلا دخل علىّ من حبه بلاء ، لقد أحبتنى عمتي فدخل علىّ من حبها بلاء ، ثم أحبنى أبى فدخل علىّ من حبه بلاء ، ثم أحبتنى زوجة صاحبي فدخل علىّ من حبها بلاء ، فلا تحبانى ـ بارك الله فيكما ـ وعن الشعبي أنهما تحالما له ليمتحناه فقال الشرابي ، إنى أرانى في بستان ، فإذا بأصل حبلة (١) عليها ثلاثة عناقيد من عنب ، فقطفتها وعصرتها في كأس الملك ، وسقيته. وقال الخباز : إنى أرانى وفوق رأسى ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة ، وإذا سباع الطير تنهش منها. فإن قلت : إلام يرجع الضمير في قوله (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ)؟ قلت : إلى ما قصا عليه. والضمير يجرى مجرى اسم الإشارة في نحوه كأنه قيل : نبئنا بتأويل ذلك.
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)(٣٨)
لما استعبراه ووصفاه بالإحسان ، افترص ذلك (٢) فوصل به وصف نفسه بما هو فوق
__________________
(١) قوله «فإذا بأصل حبلة» في الصحاح «الحبلة» بالضم : ثمر العضاه. وفيه «العضاه» كل شجر يعظم وله شوك والحبلة ـ بالتحريك ـ : القضيب من الكرم. وفيه أيضا : سلة الخبز معروفة. (ع)
(٢) قوله «افترص ذلك» أى اتخذه فرصة ، أى نوبة وحظا ونصيبا ، أفاده الصحاح. (ع)