(قُلِ اللهُ) حكاية لاعترافهم وتأكيد لم عليهم ، لأنه إذا قال لهم : من رب السموات والأرض ، لم يكن لهم بدّ من أن يقولوا الله. كقوله (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) وهذا كما يقول المناظر لصاحبه : أهذا قولك ، فإذا قال : هذا قولي قال : هذا قولك ، فيحكى إقراره تقريراً له عليه واستيثاقا منه ، ثم يقول له : فيلزمك على هذا القول كيت وكيت. ويجوز أن يكون تلقيناً ، أى : إن كعوا عن الجواب (١) فلقنهم ، فإنهم يتلقنونه ولا يقدرون أن ينكروه (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أبعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم من دونه أولياء ، فجعلتم ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من علمكم وإقراركم سبب الإشراك (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا عنها ضررا ، فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب ، فما أبين ضلالتكم! (أَمْ جَعَلُوا) بل اجعلوا. ومعنى الهمزة الإنكار (٢) و (خَلَقُوا) صفة لشركاء ، يعنى أنهم لم يتخذوا لله شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق الله (فَتَشابَهَ) عليهم خلق الله وخلقهم ، حتى يقولوا : قدر هؤلاء على الخلق كما قدر الله عليه ، فاستحقوا العبادة ، فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما يعبد ، إذ لا فرق بين خالق وخالق ، ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق ، فضلا أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) لا خالق غير الله ، ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق ، فلا يكون له شريك في العبادة (وَهُوَ الْواحِدُ) المتوحد بالربوبية (الْقَهَّارُ) لا يغالب ، وما عداه مربوب ومقهور.
(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا
__________________
(١) قوله «أى إن كعوا عن الجواب» أى امتنعوا جبناً أو احتبسوا. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قال محمود : «أم مقدرة ببل والهمزة ومعناها هاهنا الإنكار ... الخ» قال أحمد : وفي قوله تعالى (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) في سياق الإنكار تهكم بهم ، لأن غير الله لا يخلق خلقا البتة ، لا بطريق المشابهة والمساواة لله ـ تقدس عن التشبيه ـ ولا بطريق الانحطاط والقصور ، فقد كان يكفى في الإنكار عليهم أن الشركاء التي اتخذوها لا تخلق مطلقا ، ولكن جاء في قوله تعالى (كَخَلْقِهِ) تهكم يزيد الإنكار تأكيداً. والزمخشري لا يطيق التنبيه على هذه النكتة مع كونه أفطن من أن تستتر عنه ، لأن معتقده أن غير الله يخلق وهم العبيد يخلقون أفعالهم على زعمه ، ولكن لا يخلقون كخلق الله ، لأن الله تعالى يخلق الجواهر والأعراض ، والعبيد لا يخلقون سوى أفعالهم لا غير. وفي قوله عز من قائل (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) إلقام لأفواه المشركين الأولين ، ثم لأفواه التابعة لهم في هذه الضلالة كالقدرية ، فان الله تعالى بت هذه البتة أن كل شيء يصدق عليه أنه مخلوق جوهراً كان أو عرضا ، فعلا لعبيده أو غيره ، فالله خالقه ، فلا يبقى بقية يحتمل معها الاشتراك إلا عند كل أثيم أفاك ، يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها ، كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم ، فلأمر ما تقاصر لسان الزمخشري عند هذه الآية وقرن شقاشقه ، والله الموفق.