ذُنُوبِكُمْ) أى يدعوكم إلى الإيمان ليغفر لكم أو يدعوكم لأجل المغفرة كقوله : دعوته لينصرنى ، ودعوته ليأكل معى ، وقال :
دَعَوْتُ لِمَا نَابَنِى مِسْوَرا |
|
فَلَبَّى فَلَبَّى يَدَىْ مِسْوَرِ (١) |
فإن قلت : ما معنى التبعيض في قوله : من ذنوبكم؟ قلت : ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين ، كقوله (وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ، (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) وقال في خطاب المؤمنين : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) إلى أن قال (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وغير ذلك مما يقفك عليه الاستقراء ، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين ، ولئلا يسوى بين الفريقين في الميعاد. وقيل : أريد أنه يغفر لهم ما بينهم وبين الله ، بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم ونحوها (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت قد سماه الله وبين مقداره ، يبلغكموه إن آمنتم ، وإلا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت (إِنْ أَنْتُمْ) ما أنتم (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) لا فضل بيننا وبينكم ، ولا فضل لكم علينا ، فلم تخصون بالنبوّة (٢) دوننا ، ولو أرسل الله إلى البشر رسلا لجعلهم من جنس أفضل منهم وهم الملائكة (٣) (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجة بينة ، وقد جاءتهم رسلهم بالبينات والحجج ، وإنما أرادوا بالسلطان المبين آية قد اقترحوها تعنتاً ولجاجا.
__________________
(١) لأعرابى من بنى أسد. ولبى : بمعنى أجاب ، ورسمه ابن حبيب بالألف وإن كان يائيا للفرق بينه وبين المثنى بعده. ولبى من الأسماء اللازمة للاضافة إلى الضمير ، وشذ إضافته للظاهر كما هنا ، من لب بالمكان لبا أقام به والمراد ملازمة إجابته إجابة بعد إجابة لا اثنين فقط ، وهو منصوب على المصدرية بفعل محذوف. هذا مذهب سيبويه. وزعم يونس أنه مفرد مقصور ، قلبت ألفه مع الضمير ياء كلدى وعلى ، فرد عليه سيبويه بأنه لو كان كذلك لم تنقلب ألفه مع الظاهر ياء كلدى وعلى ، لكنهم لما أضافوه للظاهر قلبوها ياء كما في البيت. يقول : دعوت مسورا لما أصابنى ، فأجابنى فلبى يديه ، أى أجاب الله دعاءه بعد إجابة ، وأقحم اليدين لأنهما يرفعان عند الدعاء ، فكأنهما المجابتان ، أو لأن نصره حصل بهما ، ففيه إشارة إلى أنه أنقذه. وقيل : إنه دعاه ليغرم عنه الدية ، فأجابه ، فذكر يديه لأنه بذل بهما. قيل : وكانت عادة العرب ذلك فنهى عنه. وروى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال. إذا دعا أحدكم أخاه فقال : لبيك ، فلا يقولن لبى يديك ، وليقل أجابك الله بما تحب.
(٢) عاد كلامه. قال : «وقولهم (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) : معناه فلم تخصون بالنبوة دوننا؟ ولو أرسل الله إلى البشر رسلا لجعلهم من جنس أفضل منهم وهم الملائكة»؟ قال أحمد : ومن تهالكه على الانتصار لاعتقاده تفضيل الملائكة على الرسل من البشر ، يستعين حتى يحمل الكفار على أنهم كانوا يعتقدون كمعتقد القدرية في تفضيل الملك على الرسول ، لأنه يدعى ذلك أمراً مركوزاً في الطباع معلوما ضرورة ، والله الموفق.
(٣) قوله «لجعلهم من جنس أفضل منهم وهم الملائكة» هذا على مذهب المعتزلة ، أما عند أهل السنة فبعض البشر أفضل. (ع)