عَسَى الْكَرْبُ الَّذِى أَمْسَيْتَ فِيهِ |
|
يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ (١) |
وهذا وصف حاله وهو في الدنيا ، لأنه مرصد لجهنم ، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف. فان قلت : علام عطف (وَيُسْقى)؟ قلت : على محذوف تقديره : من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى من ماء صديد ، كأنه أشد عذابها فخصص بالذكر مع قوله (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ). فإن قلت : ما وجه قوله تعالى (مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ)؟ قلت : صديد عطف بيان لماء ، قال (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ) فأبهمه إبهاما ثم بينه بقوله (صَدِيدٍ) وهو ما يسيل من جلود أهل النار (يَتَجَرَّعُهُ) يتكلف جرعه (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) دخل كاد للمبالغة. يعنى : ولا يقارب أن يسيغه ، فكيف تكون الإساغة ، كقوله (لَمْ يَكَدْ يَراها) أى لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) كأنّ أسباب الموت وأصنافه كلها قد تألبت عليه (٢) وأحاطت به من جميع الجهات ، تفظيعا لما يصيبه من الآلام. وقيل (مِنْ كُلِّ مَكان) من جسده حتى من إبهام رجله. وقيل : من أصل كل شعرة (وَمِنْ وَرائِهِ) ومن بين يديه (عَذابٌ غَلِيظٌ) أى في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشدّ مما قبله وأغلظ. وعن الفضيل : هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد. ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أى استمطروا ـ والفتح المطر ـ في سنى القحط التي أرسالات عليهم بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسقوا ، فذكر سبحانه ذلك ، وأنه خيب رجاء كل جبار عنيد وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر ، وهو صديد أهل النار. (وَاسْتَفْتَحُوا) ـ على هذا التفسير ـ :
__________________
(١) يؤرقنى اكتئاب أبى نمير |
|
فقلبي من كآبته كئيب |
فقلت له هداك الله مهلا |
|
وخير القول ذو اللب المصيب |
عسى الكرب الذي أمسيت فيه |
|
يكون وراءه فرج قريب |
لهدبة بن خشرم العذرى. ويروى : خرشم. وكان مسجونا للقتل. والتأريق : التسهير ، والاكتئاب : الانكسار وتغير اللون من الحزن ، والكآبة كذلك. وأبو نمير كان صديقا له ، فزاره لك السجن وحزن عليه. ومهلا : مصدر بدل من اللفظ بفعله. وخبر القول : جملة اعتراضية في أثناء مقول القول. واللب : العقل. وعسى الكرب : تتمة مقول القول. ويروى : أمسيت ، بالضم والفتح. وقال الجوهري «وراء» يأتى بمعنى خلف ، وقد يأتى بمعنى قدام ، فهو من الأضداد اه ، لأنه ما وراء الشخص بجرمه عن نفسه أو عن غيره ، ومواراته عن نفسه لا يمكن إلا في الخلف ، فكثر فيه. أو هو مكان المواراة مطلقا ، وهو في الخلف أكثر. واسم «يكون» ضمير الكرب ، ووراءه متعلق بمحذوف خبر ليكون ، و «فرج» فاعل بالظرف. ويجوز أن «فرج» مبتدأ و «وراءه» متعلق بمحذوف خبر له ، والجملة خبر ليكون ، ويجب كون المحذوف كونا تاما لا ناقصا ، لئلا يحتاج إلى تقدير محذوف أيضا ، فيتسلسل التقدير ، ولم يجعل «فرج» مرفوع بيكون ، لأن خبر أفعال المقاربة لا يرفع الأجنبى عن أسمائها. وجملة «يكون» خبر ليس «وتجريد خبرها من «أن» قليل أى عسى أن يحصل الفرج بعد الكرب.
(٢) قوله «قد تألبت عليه» أى تجمعت. أفاده الصحاح. (ع)