قول الشيطان باطل لا يصح التعلق به. قلت : لو كان هذا القول منه باطلا لبين الله بطلانه وأظهر إنكاره ، على أنه لا طائل له في النطق بالباطل في ذلك المقام : ألا ترى إلى قوله (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) كيف أتى فيه بالحق والصدق ، وفي قوله (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) وهو مثل قول الله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) ، (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) لا ينجى بعضنا بعضا من عذاب الله ولا يغيثه. والإصراخ : الإغاثة. وقرئ : بمصرخي ، بكسر الياء وهي ضعيفة ، واستشهدوا لها ببيت مجهول :
قَالَ لَهَا هَلْ لَكِ يَا تَافِىِ |
|
قَالَتْ لَهُ مَا أنْتَ بِالمَرْضِى (١) |
وكأنه قدّر ياء الإضافة ساكنة وقبلها ياء ساكنة ، فحرّكها بالكسر لما عليه أصل التقاء الساكنين ، ولكنه غير صحيح ، لأنَّ ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة ، حيث قبلها ألف في نحو عصاي ، فما بالها وقبلها ياء؟ فإن قلت : جرت الياء الأولى مجرى الحرف الصحيح لأجل الإدغام ، فكأنها ياء وقعت ساكنة بعد حرف صحيح ساكن ، فحرّكت بالكسر على الأصل. قلت : هذا قياس حسن ، ولكن الاستعمال المستفيض الذي هو بمنزلة الخبر المتواتر تتضاءل إليه القياسات. «ما» في (بِما أَشْرَكْتُمُونِ) مصدرية ، و (مِنْ قَبْلُ) متعلقة بأشركتمونى ، يعنى : كفرت اليوم بإشراككم إياى من قبل هذا اليوم ، أى في الدنيا ، كقوله تعالى (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) ومعنى كفره بإشراكهم إياه : تبرؤه منه واستنكاره له ، كقوله تعالى (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ) وقيل : (مِنْ قَبْلُ) يتعلق بكفرت. وما موصولة ، أى : كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذي أَشركتمونيه وهو الله عز وجل ، تقول : شركت زيداً ، فإذا نقلت بالهمزة قلت : أَشركنيه فلان ، أى : جعلني له شريكا. ونحو «ما» هذه «ما» في قولهم : سبحان ما سخركنّ لنا. ومعنى إشراكهم الشيطان بالله : طاعتهم
__________________
(١) قال لها هل لك يا تافىّ |
|
قالت له ما أنت بالمرضى |
ماض إذا ما هم بالمضي
قائله مجهول. وتا : اسم إشارة ، أى : هل لك يا هذه المرأة رغبة في. وأصل ياء المتكلم السكون ، فان حركت فبالفتح ، لكن لما التقت هنا ساكنة مع الياء قبلها ساغ كسرها ، على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين. وقالت : استئناف ، كأنه قيل له : فما ذا قالت؟ فقال : قالت له لست مرضيا ، فإنك رجل ماض في كل أمرتهمّ فيه ، فماض : خبر لمبتدإ محذوف. والجملة : استئناف جواب للسؤال عن علة عدم الرضا. وعبر بضمير الغيبة في قوله : هم نظراء للخير. ويجوز تقدير المبتدأ لفظ «هو» فيكون التفاتا من الخطاب إلى الغيبة ، دلالة على الاعراض عنه ، وذكر السبب لغيره.