الصلاة عند بيتك المحرم ، ويعمروه بذكرك وعبادتك وما تعمر به مساجدك ومتعبداتك ، متبركين بالبقعة التي شرفتها على البقاع ، مستسعدين بجوارك الكريم ، متقربين إليك بالعكوف عند بيتك ، والطواف به ، والركوع والسجود حوله ، مستنزلين الرحمة التي آثرت بها سكان حرمك (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) أفئدة من أفئدة الناس ، ومن للتبعيض ، ويدل عليه ما روى عن مجاهد : لو قال أَفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم ، وقيل : لو لم يقل (مِنْ) لازدحموا عليه حتى الروم والترك والهند. ويجوز أن يكون (مِنْ) للابتداء ، كقولك : القلب منى سقيم ، تريد قلبي ، فكأنه قيل : أفئدة ناس ، وإنما نكرت المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة ، لأنها في الآية نكرة ليتناول بعض الأفئدة. وقرى : آفدة ، بوزن عاقدة. وفيه وجهان ، أحدهما : أن يكون من القلب كقولك : آدر ، في أدؤر. والثاني : أن يكون اسم فاعلة من أفدت الرحلة إذا عجلت ، أى ، جماعة أو جماعات يرتحلون إليهم ويعجلون نحوهم. وقرئ : أفدة ، وفيه وجهان : أن تطرح الهمزة للتخفيف ، وإن كان الوجه أن تخفف بإخراجها بين بين. وأن يكون من أفد (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) تسرع إليهم وتطير نحوهم شوقا ونزاعا من قوله :
يَهْوِى مَخَارِمَهَا هُوِىَّ الأَجْدَلِ (١)
وقرئ : تهوى إليهم ، على البناء للمفعول ، من هوى إليه وأهواه غيره. وتهوى إليهم ، من هوى يهوى إذا أحب ، ضمن معنى تنزع فعدّى تعديته (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) مع سكناهم
__________________
(١) فإذا نبذت له الحصاة رأيته |
|
ينزو لوقعتها طمور الأخبل |
وإذا يهب من المنام رأيته |
|
كرتوب كعب الساق ليس بزمل |
وإذا رميت به الفجاج رأيته |
|
يهوى مخارمها هوى الأجدل |
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه |
|
برقت كبرق العارض المتبلل |
لأبى كبير الهذلي ، يصف تأبط شراً بالتيقظ والشجاعة ، يقول : إذا رميت له الحصاة مجرباً له هل هو نائم أو صاح ، ينزو : أى يثب بسرعة ، طمور الأخيل : أى وثوب الأخيل ، أى ينهض كنهوضه : وهو طير تتشاءم منه العرب ، وأصله من التخيل ، وقيل من الخيلاء. ورتب رتوباً : انتصب انتصاباً وارتفع ارتفاعاً ، أى : رأيته يرتفع عن الأرض كارتفاع كعب الساق. والزمل والزمال والزميل ـ بتشديد الميم فيها ـ : هو الضعيف الملتف بثيابه ، ثم قال : وإذا قذفته في نواحي الأمكنة المتسعة ، رأيته يهوى مخارمها ، أى : يسرع في سلوك مسالكها الضيقة ، كهوى الأجدل وهو الصقر ، أى كاسراعه في الطيران. ويروى : الجندل وهو الحجر. والأسرة : خطوط الجبهة جمع سرار. والعارض : السحاب المعترض في الأفق. والمتهلل : اللامع ، أو المرتفع الذي سيمطر. وروى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : كنت قاعدة أغزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخصف نعله ، فنحضر جبينه عرفا ، فتولد في عينى نوراً ، فجعلت أنظر إليه فقال : ما تنظرين؟ فقلت له ذلك ، وقلت : أما والله لو رآك الهذلي لعلم أنك أحق بشعره ، فقال : وما قال : قلت : وإذا نظرت ... البيت. فوضع ما في يده وقام فقبل ما بين عينى وقال : جزاك الله خيرا ، ما سررت كسرورى بكلامك.