(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٠٨)
(وَلا تَسُبُّوا) الآلهة (الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ) وذلك أنهم قالوا عند نزول قوله تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) لتنتهينّ عن سب آلهتنا أو لنهجونّ إلهك. وقيل : كان المسلمون يسبون آلهتهم ، فنهوا لئلا يكون سبهم سببا لسب الله تعالى. فإن قلت : سب الآلهة حق وطاعة ، فكيف صحّ النهى عنه ، وإنما يصح النهى عن المعاصي؟ قلت : ربّ طاعة علم أنها تكون مفسدة فتخرج عن أن تكون طاعة ، فيجب النهى عنها لأنها معصية ، لا لأنها طاعة كالنهى عن المنكر هو من أجلّ الطاعات ، فإذا علم أنه يؤدّى إلى زيادة الشر انقلب معصية ، ووجب النهى عن ذلك النهى. كما يجب النهى عن المنكر. فإن قلت : فقد روى عن الحسن وابن سيرين أنهما حضرا جنازة فرأى محمد نساء فرجع ، فقال الحسن : لو تركنا الطاعة لأجل المعصية لأسرع ذلك في ديننا. قلت : ليس هذا ممن نحن بصدده ، لأنّ حضور الرجال الجنازة طاعة وليس بسبب لحضور النساء فإنهن يحضرنها حضر الرجال أو لم يحضروا ، بخلاف سب الآلهة. وإنما خيل إلى محمد أنه مثله حتى نبه عليه الحسن. (عَدْواً) ظلماً وعدواناً. وقرئ عدوّاً بضم العين وتشديد الواو بمعناه. يقال : هذا فلان عدواً وعدواً وعدواناً وعداء. وعن ابن كثير : عدوّاً ، بفتح العين بمعنى أعداء (بِغَيْرِ عِلْمٍ) على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ) مثل ذلك التزيين زينا لكل أمّة من أمم الكفار سوء عملهم ، أو خليناهم وشأنهم (١) ولم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم : أو أمهلنا الشيطان حتى زين لهم أو زيناه في زعمهم. وقولهم إن الله أمرنا بهذا وزينه لنا (فَيُنَبِّئُهُمْ) فيوبخهم عليه ويعاتبهم ويعاقبهم.
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ)(١٠٩)
(لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) من مقترحاتهم (لَيُؤْمِنُنَّ بِها ، قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) وهو قادر
__________________
(١) قوله «أو خليناهم وشأنهم» فسر التزيين بذلك ، لأنه تعالى لا يخلق الشر عند المعتزلة ، ويخلق الشر والخير عند أهل السنة. (ع)