شيء ما. (عَلَى) في قوله (عَلَى الْكِبَرِ) بمعنى مع ، كقوله :
إنِّى عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنْ كِبَرِى |
|
أَعْلَمُ مِنْ حَيْثُ تُؤْكَلُ الْكَتِفُ (١) |
وهو في موضع الحال ، معناه : وهب لي وأنا كبير وفي حال الكبر. روى أنّ إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة ، وولد له إسحاق وهو ابن مائة وثنتى عشرة سنة ، وقد روى أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين. وإسحاق لتسعين. وعن سعيد بن جبير : لم يولد لإبراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة ، وإنما ذكر حال الكبر لأنّ المنة بهبة الولد فيها أعظم ، من حيث أنها حال وقوع اليأس من الولادة. والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجلّ النعم وأحلاها في نفس الظافر ، ولأنّ الولادة في تلك السنّ العالية كانت آية لإبراهيم (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) كان قد دعا ربه وسأله الولد ، فقال : رب هب لي من الصالحين ، فشكر لله ما أكرمه به من إجابته فإن قلت : الله تعالى يسمع كل دعاء ، أجابه أو لم يجبه. قلت : هو من قولك : سمع الملك كلام فلان إذا اعتد به وقبله. ومنه : سمع الله لمن حمده. وفي الحديث (٢) «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن (٣)» فإن قلت : ما هذه الإضافة إضافة السميع إلى الدعاء؟ قلت : إضافة الصفة إلى مفعولها ، وأصله لسميع الدعاء. وقد ذكر سيبويه فعيلا في جملة أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل ، كقولك : هذا ضروب زيداً ، وضراب أخاه ، ومنحار إبله ، وحذر أموراً ، ورحيم أباه ويجوز أن يكون من إضافة فعيل إلى فاعله ، ويجعل دعاء الله سميعا على الإسناد المجازى. والمراد سماع الله.
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ)(٤١)
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وبعض ذرّيتى ، عطفا على المنصوب في اجعلنى ، وإنما بعض لأنه علم بإعلام الله أنه يكون في ذرّيته كفار ، وذلك قوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). (وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) أى
__________________
(١) ترين : أصله ترأيين كتفعلين ، نقلت فتحة الهمزة إلى الراء ، ثم حذفت وحذفت الياء الأولى بعد قلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. يقول. إنى مع ما تنظرينه من كبرى وهرمى الموجب للخرف عادة ، عارف بالأمور متيقظ لها. وكنى عن ذلك بقوله : أعرف من أين تؤكل الكتف ، أى : أعرف جواب هذا الاستفهام ، ويروى : من حيث ، فلعل من زائدة. قال بعضهم : تؤكل الكتف من أسفلها ويشق أكلها من أعلاها ، وهو مثل يضرب للجرب المتفطن للأمور.
(٢) متفق عليه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(٣) قوله «كاذنه لنبي يتغنى بالقرآن» في الصحاح : كاذنه لمن يتغنى ... الخ. (ع)