وَمَا النَّاسُ بِالنَّاسِ الّذِينَ عَهِدْتَهُمْ |
|
وَلَا الدَّارُ بِالدَّارِ الّتِى كُنْتَ تَعْلَمُ (١) |
وتبدّل السماء بانتثار كواكبها ، وكسوف شمسها ، وخسوف قمرها ، وانشقاقها ، وكونها أبوابا. وقيل : يخلق بدلها أرض وسموات أخر. وعن ابن مسعود وأنس : يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة. وعن على رضى الله عنه : تبدّل أرضا من فضة ، وسموات من ذهب. وعن الضحاك : أرضاً من فضة بيضاء كالصحائف. وقرئ : يوم نبدّل الأرض ، بالنون (٢). فإن قلت : كيف قال (الْواحِدِ الْقَهَّارِ)؟ قلت : هو كقوله (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) لأنّ الملك إذا كان لواحد غلاب لا يغالب ولا يعازّ فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار ، كان الأمر في غاية الصعوبة والشدّة (مُقَرَّنِينَ) قرن بعضهم مع بعض. أو مع الشياطين. أو قرنت أيديهم ألى أرجلهم مغللين. وقوله (فِي الْأَصْفادِ) إمّا أن يتعلق بمقرّنين ، أى : يقرنون في الأصفاد. وإمّا أن لا يتعلق به ، فيكون المعنى : مقرّنين مصفدين. والأصفاد : القيود : وقيل الأغلال ، وأنشد لسلامة بن جندل :
وَزَيْدُ الْخَيْلِ قَدْ لَاقَى صِفَاداً |
|
بَعَضُّ بِسَاعِدٍ وَبِعَظْمِ سَاقِ (٣) |
القطران : فيه ثلاثة لغات : قطران ، وقطران ، وقطران : بفتح القاف وكسرها مع سكون الطاء ، وهو ما يتحلب من شجر يسمى الأبهل فيطبخ ، فتهنأ به الإبل الجربي ، فيحرق الجرب بحرّه وحدّته ، والجلد ، وقد تبلغ حرارته الجوف ، ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار ، وقد يستسرج به ، وهو أسود اللون منتن الريح ، فتطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص ، لتجتمع عليهم الأربع : لذع القطران. وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح. على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين ، وكل ما وعده الله أو وعد به في الآخرة ، فبينه وبين ما نشاهد من جنسه من لا يقادر قدره ، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامى والمسميات ثمة ، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه ، ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه. وقرئ : من قطران ، والقطر : النحاس أو الصفر المذاب. والآنى : المتناهي حرّه (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) كقوله تعالى (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) ، (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى
__________________
(١) يقول : ليس الناس اليوم هم الناس الذين عهدتهم سابقا ، لفناء الأحياء من بينهم ، وليست الدار اليوم هي الدار التي كنت تعلمها ، لتبدل أحوالها وتغير أوصافها.
(٢) قوله «وقرئ نبدل الأرض بالنون» لعله ونصب الأرض والسماوات ، فلتحرر. القراءة. (ع)
(٣) لسلامة بن جندل. وزيد الخيل : هو الذي سماء النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير. قد لاقى : أى نال من أعدائه صفادا ، أى قيدا وغلا. واستعار العض لقرص الصفاد اليابس الصلب على طريق التصريحية ، والباء للإلصاق ، وأقحم لفظ العظم للمبالغة في العض حتى وصل العظم.