بما ينسى اللعن معه. و (يَوْمِ الدِّينِ) و (يَوْمِ يُبْعَثُونَ) و (يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) في معنى واحد ، ولكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريقة البلاغة. وقيل : إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت ، لأنه لا يموت يوم البعث أحد ، فلم يجب إلى ذلك ، وأُنظر إلى آخر أيام التكليف (بِما أَغْوَيْتَنِي) الباء للقسم. و «ما» مصدرية وجواب القسم (لَأُزَيِّنَنَ) المعنى : أقسم بإغوائك إياى لأزينن لهم. ومعنى إغوائه إياه : تسبيبه لغيه ، بأن أمره بالسجود لآدم عليه السلام ، فأفضى ذلك إلى غيه. وما الأمر بالسجود إلا حسن وتعريض للثواب بالتواضع والخضوع لأمر الله ، ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك ، والله تعالى بريء من غيه (١) ومن إرادته والرضا به ، ونحو قوله (بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) : قوله (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) في أنه إقسام ، إلا أن أحدهما إقسام بصفته والثاني إقسام بفعله ، وقد فرق الفقهاء بينهما. ويجوز أن لا يكون قسما ، ويقدر قسم محذوف ، ويكون المعنى : بسبب تسبيبك لإغوائى أقسم لأفعلنّ بهم نحو ما فعلت بى من التسبيب لإغوائهم ، بأن أزين لهم المعاصي وأوسوس إليهم ما يكون سبب هلاكهم (فِي الْأَرْضِ) في الدنيا التي هي دار الغرور ، كقوله تعالى (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) أو أراد أنى أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء ، فأنا علىّ التزيين لأولاده في الأرض أقدر. أو أراد : لأجعلنّ مكان التزيين عندهم الأرض ، ولأوقعن تزييني فيها ، أى : لأزيننها في أعينهم ولأحدّثنهم بأنّ الزينة في الدنيا وحدها ، حتى يستحبوها على الآخرة ويطمئنوا إليها دونها. ونحوه :
يَجْرَحْ فِى عَرَاقِيبِهَا نَصْلِى (٢)
__________________
(١) قوله «والله تعالى بريء من غيه» هذا على مذهب المعتزلة : أن الله لا يريد الشر ولا يخلقه. ومذهب أهل السنة : أن كل كائن فهو يخلقه تعالى وإرادته ، خيراً كان أو شرا ، وإن كان لا يرضى الشر من العبد ، وتفصيله في التوحيد. (ع)
(٢) وما لام من يوم أخ وهو صادق |
|
إخالى ولا اعتلت على ضيفها إبلى |
إذا كان فيها الرسل لم تأت دونه |
|
فصالى ولو كانت عجافا ولا أهلى |
وإن تعتذر بالمحل عن ذى ضروعها |
|
إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلى |
لذي الرمة يمدح نفسه ، والإخاء مصدر آخاه ، كالوفاق مصدر وافقه ، والصحاب مصدر صاحبه ، وزنا ومعنى. يقول : وما لام أخ من يوم أى في يوم. وعبر بمن لإشعارها بالاستغراق. أى : لم يلم ، والحال أنه صادق في لومه ، أو في أخوته مصاحبة لي معه ، وقصر الإخاء للوزن ، وضمن لام معنى عاب ، فعداه إليه. ويجوز أن إيقاع اللوم عليه مجاز عقلى ، لأن الإخاء كأنه محل اللوم ، ولا اعتلت أى أبدت لضيفها علة في التأخر عن قراه ، وإسناد الفعل للإبل وإضافة الضيف إليها لأنها محل قراه ، وذلك كناية عن غاية كرمه ، ويجوز أن إسناد الفعل إليها مجاز عقلى ، لأنها سبب في اعتلال صاحبها للضيف عنها إذا كان بخيلا ، وإضافة الضيف إليها ترشيح لذلك. ويحتمل أنه شبه الإبل بالكرماء على طريق المكنية ، فذلك تخييل ، وبين عدم الاعتلال ـ