هذا باستعجالهم؟ قلت : لأنّ استعجالهم استهزاء وتكذيب وذلك من الشرك. وقرئ : تشركون ، بالتاء والياء.
(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ) (٢)
قرئ (يُنَزِّلُ) بالتخفيف والتشديد. وقرئ (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) أى تنزل (بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) بما يحيى القلوب الميتة بالجهل من وحيه ، أو بما يقوم في الدين مقام الروح في الجسد ، و (أَنْ أَنْذِرُوا) بدل من الروح ، أى ينزلهم بأن أنذروا. وتقديره : بأنه أنذروا ، أى : بأن الشأن أقول لكم أنذروا. أو تكون «أن» مفسرة ، لأنّ تنزيل الملائكة بالوحي فيه معنى القول. ومعنى أنذروا (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) أعلموا بأنّ الأمر ذلك ، من نذرت بكذا إذا علمته. والمعنى : يقول لهم أعلموا الناس قولي لا إله إلا أنا (فَاتَّقُونِ).
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)(٤)
ثم دلّ على وحدانيته وأنه لا إله إلا هو بما ذكر ، مما لا يقدر عليه غيره من خلق السموات والأرض وخلق الإنسان وما يصلحه ، وما لا بدّ له منه من خلق البهائم لأكله وركوبه وجرّ أثقاله وسائر حاجاته ، وخلق ما لا يعلمون من أصناف خلائقه ، ومثله متعال عن أن يشرك به غيره. وقرئ : تشركون ، بالتاء والياء (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) فيه معنيان ، أحدهما : فإذا هو منطيق مجادل عن نفسه مكافح للخصوم مبين للحجة ، بعد ما كان نطفة من منىّ جماداً لا حس به ولا حركة ، دلالة على قدرته. والثاني : فإذا هو خصيم لربه ، منكر على خالقه ، قائل : من يحيى العظام وهي رميم ، وصفاً للإنسان بالإفراط في الوقاحة والجهل ، والتمادي في كفران النعمة. وقيل نزلت في أبىّ بن خلف الجمحي حين جاء بالعظم الرميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، أترى الله يحيى هذا بعد ما قد رمّ؟ (١)(وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ)(٥)
(الْأَنْعامَ) الأزواج الثمانية ، وأكثر ما تقع على الإبل ، وانتصابها بمضمر يفسره
__________________
(١) يأتى في صورة يس.