فتقول هذا حلال وهذا حرام. ولك أن تنصب الكذب بتصف ، وتجعل «ما» مصدرية ، وتعلق (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) بلا تقولوا ، على : ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب ، أى : لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم ويجول في أفواهكم ، لا لأجل حجة وبينة ، ولكن قول ساذج ودعوى فارغة. فإن قلت : ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت : هو من فصيح الكلام وبليغه ، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه ، فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصوّرته بصورته ، كقولهم : ووجهها يصف الجمال. وعينها تصف السحر ، وقرئ «الكذب» بالجرّ صفة لما المصدرية ، كأنه قيل : لوصفها الكذب ، بمعنى الكاذب ، كقوله تعالى (بِدَمٍ كَذِبٍ) والمراد بالوصف : وصفها البهائم بالحل والحرمة. وقرئ «الكذب» جمع كذوب بالرفع ، صفة للألسنة ، وبالنصب على الشتم. أو بمعنى : الكلم الكواذب ، أو هو جمع الكذاب من قولك : كذب كذابا ، ذكره ابن جنى. واللام في (لِتَفْتَرُوا) من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض (مَتاعٌ قَلِيلٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أى منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعقابها عظيم.
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(١١٨)
(ما قَصَصْنا عَلَيْكَ) يعنى في سورة الأنعام.
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(١١٩)
(بِجَهالَةٍ) في موضع الحال ، أى : عملوا السوء جاهلين غير عارفين بالله وبعقابه ، أو غير متدبرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم (مِنْ بَعْدِها) من بعد التوبة.
(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين)(١٢٢)
(كانَ أُمَّةً) فيه وجهان ، أحدهما : أنه كان وحده أمّة من الأمم (١) لكماله في جميع صفات
__________________
(١) قال محمود : «في قوله أمة وجهان ، أحدهما : أنه كان وحده أمة من الأمم ... الخ» قال أحمد : ويقوى ـ