أراد بردائه سيفه ، ثم قال : فاعتجر منه بشطر ، فنظر إلى المستعار في لفظ الاعتجار ، ولو نظر إليه فيما نحن فيه لقيل : فكساهم لباس الجوع والخوف ، ولقال كثير : ضافى الرداء إذا تبسم ضاحكا (وَهُمْ ظالِمُونَ) في حال التباسهم بالظلم ، كقوله (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) نعوذ بالله من مفاجأة النقمة والموت على الغفلة. وقرئ (وَالْخَوْفِ) عطفاً على اللباس ، أو على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. أصله : ولباس الخوف. وقرئ : لباس الخوف والجوع.
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١١٥)
لما وعظهم بما ذكر من حال القرية وما أوتيت به من كفرها وسوء صنيعها ، وصل بذلك بالفاء في قوله (فَكُلُوا) صدّهم عن أفعال الجاهلية ومذاهبهم الفاسدة التي كانوا عليها ، بأن أمرهم بأكل ما رزقهم الله من الحلال الطيب ، وشكر إنعامه بذلك ، وقال (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) يعنى تطيعون. أو إن صحّ زعمكم أنكم تعبدون الله بعبادة الآلهة ، لأنها شفعاؤكم عنده. ثم عدد عليهم محرمات الله ، ونهاهم عن تحريمهم وتحليلهم بأهوائهم وجهالاتهم ، دون اتباع ما شرع الله على لسان أنبيائه.
(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١١٧)
وانتصاب (الْكَذِبَ) بلا تقولوا ، على : ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة في قولكم (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) من غير استناد ذلك الوصف إلى وحى من الله أو إلى قياس مستند إليه. واللام مثلها في قولك : ولا تقولوا لما أحل الله هو حرام. وقوله (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) بدل من الكذب. ويجوز أن يتعلق بتصف على إرادة القول ، أى : ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم ،
__________________
ـ أبو قبيلة. والشطر الذي ملكته يمينه : هو مقبض السيف. ودونك : اسم فعل بمعنى خذ» أى خذه فتلفع منه بالشطر الآخر وهو صدره ، والأمر للاباحة ، وفيه نوع تهكم»