سورة الإسراء
مكية [إلا الآيات ٢٦ و ٣٢ و ٣٣ و ٥٧ ، ومن آية ٧٣ إلى غاية آية ٨٠ فمدنية] وآياتها ١١١ [نزلت بعد القصص]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(١)
(سُبْحانَ) علم للتسبيح كعثمان للرجل ، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره ، تقديره : أسبح الله سبحان ، ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسدّه ، ودل على التنزيه البليغ من جميع القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله (١). و (أَسْرى) وسرى لغتان. و (لَيْلاً) نصب على الظرف. فإن قلت : الإسراء لا يكون إلا بالليل ، فما معنى ذكر الليل؟ (٢) قلت : أراد بقوله (لَيْلاً) بلفظ التنكير : تقليل مدّة الإسراء ، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشأم مسيرة أربعين ليلة ، وذلك أنّ التنكير فيه قد دلّ على معنى البعضية. ويشهد لذلك قراءة عبد الله
__________________
(١) قوله «القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله» يريد بهم أهل السنة القائلين بأنه تعالى هو الخالق لجميع الحوادث من أفعال العباد وغيرها ، خيراً كانت أو شراً ، خلافا للمعتزلة في قولهم : إن العبد هو الخالق لفعل نفسه حتى يكون مقدوراً له ، فيصح تكليفه به ، ولكن استند أهل السنة لمثل قوله تعالى (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ* وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) وهذا لا ينافي اختيار العباد في أفعالهم ، لأنهم أثبتوا لهم الكسب فيها ، كما تقرر في علم التوحيد. (ع)
(٢) قال محمود : «فان قلت : الاسراء لا يكون إلا بالليل ، فما معنى ذكر الليل ... الخ»؟ قال أحمد وقد قرن الاسراء بالليل في موضع لا يليق الجواب عنه بهذا ، كقوله (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) وكقوله تعالى (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً) فالظاهر ـ والله أعلم ـ أن الغرض من ذكر الليل وإن كان الاسراء يفيده تصوير السير بصورته في ذهن السامع ، وكأن الاسراء لما دل على أمرين ، أحدهما : السير ، والآخر : كونه ليلا. أريد إفراد أحدهما بالذكر تثبيتا في نفس المخاطب ، وتنبيها على أنه مقصود بالذكر. ونظيره في إفراد أحد ما دل عليه اللفظ المتقدم مضموماً لغيره قوله تعالى (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ، إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) فالاسم الحامل للتثنية دال عليها وعلى الجنسية ، وكذلك المفرد ، فأريد التنبيه لأن أحد المعنيين وهو التثنية مراد مقصود ، وكذلك أريد الإيقاظ ، لأن الوحدانية هي المقصودة في قوله (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) ولو اقتصر على قوله (إِنَّما هُوَ إِلهٌ) لأوهم أن المهم إثبات الالهية له ، والغرض من الكلام ليس إلا الإثبات للوحدانية ، والله أعلم.