قلت : معناه جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به ، لأن اللام للاختصاص. فإن قلت : لم كرّر يخرون للأذقان؟ قلت : لاختلاف الحالين وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين ، وخرورهم في حال كونهم باكين.
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً)(١١٠)
عن ابن عباس رضى الله عنهما سمعه أبو جهل يقول : يا الله يا رحمن ، فقال : إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعوا إلها آخر. وقيل : إن أهل الكتاب قالوا : إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فنزلت. والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء ، وهو يتعدّى إلى مفعولين ، تقول : دعوته زيدا ، ثم يترك أحدهما استغناء عنه فيقال : دعوت زيدا. والله والرحمن ، المراد بهما الاسم لا المسمى. وأو للتخيير ، فمعنى (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) سموا بهذا الاسم أو بهذا ، واذكروا إما هذا وإما هذا. والتنوين في (أَيًّا) عوض من المضاف إليه. و (ما) صلة للإبهام المؤكد لما في أىّ ، أى : أىّ هذين الاسمين سميتم وذكرتم (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) والضمير في (فَلَهُ) ليس براجع إلى أحد الاسمين المذكورين ، ولكن إلى مسماهما وهو ذاته تعالى ، لأن التسمية للذات لا للاسم. والمعنى : أياما تدعوا فهو حسن ، فوضع موضعه قوله (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان : لأنهما منها ، ومعنى كونهما أحسن الأسماء. أنها مستقلة بمعاني التحميد والتقديس والتعظيم (بِصَلاتِكَ) بقراءة صلاتك على حذف المضاف ، لأنه لا يلبس ، من قبل أن الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير ، والصلاة أفعال وأذكار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بقراءته ، فإذا سمعها المشركون لغوا وسبوا ، فأمر بأن يخفض من صوته ، والمعنى : ولا تجهر حتى تسمع المشركين (وَلا تُخافِتْ) حتى لا تسمع من خلفك (وَابْتَغِ بَيْنَ) الجهر المخافتة (سَبِيلاً) وسطا. وروى أنّ أبا بكر رضى الله عنه كان يخفى صوته بالقراءة في صلاته ويقول :
__________________
ـ أى حلف. والشنقاء : الطويلة من الخيل ، والصلدم ـ بكسر المهملتين ـ : القوية. ويروى : ثم اثنى له. وأصله : انثنى ، فأدغمت النون بعد قلبها ثاء في الثاء. ولو قرئ : ثم ائتني ، من أتانى وتمهل لجاز. ويروى : دلفت له بالرمح من تحت بزه. ويروى : شقفت له بالرمح جيب قميصه. ولعل اختلاف الروايات لاختلاف القائل. والتناول : الأخذ ، فالمعنى : لحقه فطعنه بالرمح ، كأنه أخذه ، ثم انثنى له : أى طعنه مرة أخرى ، فسقط مطروحا ، وجعل ذلك ليديه وفمه ، لأنها التي يستقبل بها الأرض أولا حين سقوطه على وجهه ، واللام هنا بمعنى على كما ذكره النحاة ، وإن أنكره النحاس. ودلف دلفا كتعب تعبا : إذا تقدم بسرعة وقارب بين خطاه. وجيب قميصه : كناية عن صدره ، لأنه إذا شق طوق القميص بالرمح فقد شق الصدر.