قريتهم. وقيل : مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين (كانُوا) آية (عَجَباً) من آياتنا وصفا بالمصدر ، أو على : ذات عجب (مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أى رحمة من خزائن رحمتك ، وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا) الذي نحن عليه من مفارقة الكفار (رَشَداً) حتى تكون بسببه راشدين مهتدين ، أو اجعل أمرنا رشدا كله ، كقولك : رأيت منك أسدا (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) أى ضربنا عليها حجابا من أن تسمع ، يعنى : أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات ، كما ترى المستثقل في نومه يصاح به فلا يسمع ولا يستنبه ، فحذف المفعول الذي هو الحجاب كما يقال : بنى على امرأته ، يريدون : بنى عليها القبة (سِنِينَ عَدَداً) ذوات عدد ، فيحتمل أن يريد الكثرة وأن يريد القلة ، لأن الكثير قليل عنده ، كقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ). وقال الزجاج : إذا قل فهم مقدار عدده فلم يحتج أن يعدّ ، وإذا كثر احتاج إلى أن يعد
(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً)(١٢)
(أَيُ) يتضمن معنى الاستفهام ، فعلق عنه (لِنَعْلَمَ) فلم يعمل فيه. وقرئ ، ليعلم ، وهو معلق عنه أيضا ، لأن ارتفاعه بالابتداء لا بإسناد «يعلم» إليه ، وفاعل «يعلم» مضمون الجملة ، كما أنه مفعول «نعلم» (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) المختلفين منهم في مدّة لبثهم ، لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك ، وذلك قوله (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم : هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول. أو أى الحزبين المختلفين من غيرهم ، و (أَحْصى) فعل ماض أى أيهم ضبط (١) (أَمَداً) لأوقات لبثهم. فإن قلت : فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل؟ قلت : ليس بالوجه السديد ، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرّد ليس بقياس ، ونحو «أعدى من الجرب» ، و «أفلس من ابن المذلق» شاذ. والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع ، فكيف به؟ ولأن (أَمَداً) لا يخلو : إما أن ينتصب بأفعل (٢) فأفعل لا يعمل. وإما أن ينصب بلبثوا ، فلا يسدّ عليه المعنى. فإن زعمت أنى
__________________
(١) قال محمود «أحصى فعل ماض ، أى : لنعلم أيهم ضبط أمدا ... الخ» قال أحمد : وقد جعل بعض النحاة بناء افعل من المزيد فيه الهمز قياسا ، وادعى ذلك مذهبا لسيبويه ، وعلله يأن بناءه منه لا يغير نظم الكلمة ، وإنما هو تعويض همزة بهمزة.
(٢) عاد كلامه. قال : وأيضا فلو كان للتفضيل لم يخل انتصاب أمدا إما بأفعل ... الخ» قال أحمد : ولقائل أن ينصبه على التمييز ، كانتصاب العدد تمييزا في قوله تعالى (أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) ويعضد حمله على أفعل التفضيل وروده في نظير الواقعة واختلاف الأحزاب في مقدار اللبث ، وذلك في قوله تعالى (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) فأمثلهم طريقة : هو أحصاهم لما لبثوا عددا. وكلا الوجهين جائز ، والله أعلم.