للتوبيخ ، ولإظهار معاندته وكفره وكبره وافتخاره بأصله وازدرائه بأصل آدم ، وأنه خالف أمر ربه معتقداً أنه غير واجب عليه ، لما رأى أنّ سجود الفاضل للمفضول خارج من الصواب. فإن قلت : كيف يكون قوله (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) جواباً لما منعك ، وإنما الجواب أن يقول : منعني كذا؟ قلت : قد استأنف قصة أخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم ، وبعلة فضله عليه ، وهو أنّ أصله من نار وأصل آدم من طين ، فعلم منه الجواب وزيادة عليه ، وهي إنكار للأمر واستبعاد أن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثله ، كأنه يقول : من كان على هذه الصفة كان مستبعداً أن يؤمر بما أُمر به.
(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (١٣)
(فَاهْبِطْ مِنْها) من السماء التي هي مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة ، إلى الأرض التي هي مقرّ العاصين المتكبرين من الثقلين (فَما يَكُونُ لَكَ) فما يصح لك (أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) وتعصى (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه لتكبرك ، كما تقول للرجل : قم صاغراً ، إذا أهنته. وفي ضدّه : قم راشداً. وذلك أنه لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار. وعن عمر رضى الله عنه : من تواضع لله رفع الله حكمته (١) وقال : انتعش أنعشك الله. ومن تكبر وعدا طوره وهصه (٢) الله إلى الأرض(٣).
(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ)(١٥)
__________________
(١) قوله «رفع الله حكمته» في الصحاح : حكمة اللجام ما أحاط بالحنك. (ع)
(٢) قوله : «وهصه الله إلى الأرض» وهصه : أى غمزه إلى الأرض والوهص : كسر الشيء الرخو وشدة الوطء على الأرض ، كذا في الصحاح. (ع)
(٣) أخرجه ابن أبى شيبة في مصنفه. حدثنا أبو خالد الأحمر وعبد الله بن إدريس وسفيان بن عتبة عن ابن عجلان عن بكير بن الأشج عن معمر بن أبى حية عن عبيد الله بن عبيد الله بن عدى بن الخيار قال : قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : «إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته وقال : انتعش أنعشك الله ، فهو في نفسه صغير ، وفي أنفس الناس كبير. وإن العبد إذا تعظم وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض. وقال : اخسأ خسأك الله ، فهو في نفسه كبير وفي أنفس الناس صغير ، لهو أحقر عندهم من خنزير ، وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق على بن المديني عن سفيان. وقد روى بعضه مرفوعا ، أخرج الدارقطني في العلل من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما من آدمى إلا وملك آخذ بحكمته. فإذا رفع نفسه قيل للملك : ضع حكمتك ـ وإذا وضع نفسه قيل للملك : ارفع حكمتك» قال : لا يثبت. فيه على بن زيد وهو ضعيف.