(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(٢٧)
(لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) لا يمتحننكم بأن لا تدخلوا الجنة ، كما محن أبويكم بأنّ أخرجهما منها (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) حال ، أى أخرجهما نازعاً لباسهما ، بأنه كان سبباً في أن نزع عنهما (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ) تعليل للنهى وتحذير من فتنته ، بأنه بمنزلة العدوّ المداجى (١) يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون. وعن مالك بن دينار. إنّ عدواً يراك ولا تراه ، لشديد المؤنة إلا من عصم الله (وَقَبِيلُهُ) وجنوده من الشياطين ، وفيه دليل بين أن الجنّ لا يرون (٢) ولا يظهرون للإنس ، وأن إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم ، وأن زعم من يدّعى رؤيتهم زور ومخرقة (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أى خلينا بينهم وبينهم (٣) لم نكفهم عنهم حتى تولوهم وأطاعوهم فيما سئلوا لهم من الكفر والمعاصي ، وهذا تحذير آخر أبلغ من الأول. فإن قلت : علام عطف وقبيله؟ قلت : على الضمير في يراكم المؤكد بهو ، والضمير في أنه للشأن والحديث ، وقرأ اليزيدي (وَقَبِيلُهُ) بالنصب وفيه وجهان : أن يعطفه على اسم إن ، وأن تكون الواو بمعنى مع ، وإذا عطفه على اسم إن وهو الضمير في أنه ، كان راجعاً إلى إبليس.
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢٨)
__________________
(١) قوله «العدو المداجى» في الصحاح «المداجاة» المداراة. يقال : داجيته ، إذا ، داريته ، كأنك ساترته العداوة. (ع)
(٢) قال محمود : «وفيه دليل بين أنهم لا يرون ... الخ» قال أحمد : أين يذهب به هما ورد في الحديث الصحيح ، من اعتراض إبليس رأسهم ومقدمهم للنبي صلى الله عليه وسلم يروم أن يشغله عن صلاته ، حتى أمكنه الله منه فأخذه عليه الصلاة والسلام فدغنه وأراد أن يربطه إلى سارية من سوارى المسجد يلعب به الصبيان ، حتى ذكر دعوة سليمان عليه السلام فتركه. وإذا جاز ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام كان جائزا لأولياء الله والمتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كرامة ، لكن الزمخشري يصده عن ذلك جحده لكرامة الأولياء ، لأنه عقيدة إخوانه ، إذ الكرامة إنما يؤتاها الولي الصادق ، فكيف ينالها من يشك في إسلامه ، فإنهم لفي عذر من جحدها والتكذيب بها. رزقنا الله الايمان بالكرامات إن لم نكن لها أهلا ، والله الموفق.
(٣) قوله «أى خلينا بينهم وبينهم» فسر الجعل بذلك ، لأنه تعالى لا يخلق الشر عند المعتزلة. وعند أهل السنة يخلقة كالخير. (ع)