وفي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه واحد |
وعلى هذا يراد بالنزول من السماء نشوؤه من أسباب سماوية وتأثيرات أثيرية فهي مبدأ مجازي له ، على أن من انجاب عن عين بصيرته سحاب الجهل رأى أن كل ما في هذا العالم السفلي نازل من عرش الإرادة وسماء القدرة حسبما تقتضيه الحكمة بواسطة أو بغير واسطة كما يشير إليه قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر : ٢١] بل من علم أن الله سبحانه في السماء ـ على المعنى الذي أراده وبالوصف الذي يليق به مع التنزيه اللائق بجلال ذاته تعالى ـ صح له أن يقول : إن ما في العالمين من تلك السماء ، ونسبة نزوله إلى غيرها أحيانا لاعتبارات ظاهرة وهي راجعة إليه في الآخرة ـ والماء ـ معروف ، وعرفه بعضهم بأنه جوهر سيال به قوام الحيوان ووزنه فعل وألفه منقلبة عن واو وهمزته بدل من هاء كما يدل عليه مويه ومياه وأمواه وتنوينه للبعضية ، وخصه سبحانه بالنزول من السماء في كثير من الآيات تنويها بشأنه لكثرة منفعته ومزيد بركته ، و (مِنَ) الثانية إما للتبعيض إذ كم من ثمرة لم تخرج بعد ـ فرزقا ـ حينئذ بالمعنى المصدري مفعول له ـ لأخرج ـ و (لَكُمُ) ظرف لغو مفعول به لرزق أي أخرج شيئا (مِنَ الثَّمَراتِ) أي بعضها لأجل أنه رزقكم ، وجوّز أن يكون بعض الثمرات مفعول أخرج ، ورزقا بمعنى مرزوقا حالا من المفعول أو نصبا على المصدر لأخرج ، وإما للتبيين ـ فرزق ـ بمعنى مرزوق مفعول لأخرج و (لَكُمُ) صفته ، وقد كان (مِنَ الثَّمَراتِ) صفته أيضا إلا أنه لما قدم صار حالا على القاعدة في أمثاله ، وفي تقديم البيان على المبين خلاف ، فجوزه الزمخشري والكثيرون ، ومنعه صاحب الدر المصون وغيره ، واحتمال جعلها ابتدائية ـ بتقدير من ذكر الثمرات أو تفسير الثمرات بالبذر ـ تعسف لا ثمرة فيه ، وأل في (الثَّمَراتِ) إما للجنس أو للاستغراق وجعلها له ، و (مِنَ) زائدة ليس بشيء لأن زيادة (مِنَ) في الإيجاب ـ وقبل ـ معرفة مما لم يقل به إلا الأخفش ، ويلزم من ذلك أيضا أن يكون جميع (الثَّمَراتِ) التي أخرجت رزقا لنا ، وكم شجرة أثمرت ما لا يمكن أن يكون رزقا (١) وأتى بجمع القلة مع أن الموضع موضع الكثرة فكان المناسب لذلك من الثمار للإيماء إلى أن ما برز في رياض الوجود بفيض مياه الجود كالقليل بل أقل قليل بالنسبة لثمار الجنة ، ولما ادخر في ممالك الغيب أو للإشارة إلى أن أجناسها من حيث إن بعضها يؤكل كله وبعضها ظاهره فقط وبعضها باطنة فقط ، المشير ذلك إلى ما يشير قليلة لم تبلغ حد الكثرة ، وما ذكر الإمام البيضاوي وغيره من أنه ساغ هذا الجمع هنا لأنه أراد بالثمرات جمع ثمرة أريد بها الكثرة كالثمار مثلها في قولك : أدركت ثمرة بستانك ، وليست التاء للوحدة الحقيقية بل للوحدة الاعتبارية ، ويؤيده قراءة ابن السميقع من الثمرة أو لأن الجموع يتعاور بعضها موقع بعض كقوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ) [الدخان : ٢٥] و (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] أو لأنها لما كانت محلاة باللام خرجت عن حد القلة لا يخلو صفاؤه عن كدر كما يسفر عنه كلام الشهاب ، وإذا قيل : بأن جمع السلامة المؤنث والمذكر موضوع للكثرة أو مشترك ـ والمقام يخصصه بها ـ اندفع السؤال وارتفع المقال إلا أن ذلك لم يذهب إليه من الناس إلا قليل ، والباء من (بِهِ) للسببية ، والمشهور عند الأشاعرة أنها سببية عادية في أمثال هذا الموضع فلا تأثير للماء عندهم أصلا في الإخراج بل ولا في غيره وإنما المؤثر هو الله تعالى عند الأسباب لأنها لحديث الاستكمال بالغير ، قالوا : ومن اعتقد أن الله تعالى أودع قوة الري في الماء مثلا فهو
__________________
(١) وقد نص على إفادة الجمع السالم المذكر والمؤنث القلة بن الدباح فقال :
بأفعل وبأفعال وأفعلة |
|
وفعلة يعرف الأدنى من العدد |
وسالم الجمع أيضا داخل معها |
|
وذلك الحكم فاحفظها ولا تزد |
ا ه منه.