ثمارها كثمار جنات الدنيا أولا فبين حالها (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ) زيادة في الجواب ولو قدر السؤال نحو ألهم في الجنات لذات كما في هذه الدار أم أتم وأزيد؟ ـ كان أصح وأوضح ، وأجاز أبو البقاء كونها حالا من (الَّذِينَ) أو من (جَنَّاتٍ) لوصفها وهي حينئذ حال مقدرة والأصل ... (١) الصاحبة ، والقول : بأنها صفة مقطوعة دعوى موصولة بالجهل بشرط القطع وهو علم السامع باتصاف المنعوت بذلك النعت وإلا لاحتاج إليه ولا قطع مع الحاجة ، و (كُلَّما) نصب على الظرفية ب (قالُوا) و (رِزْقاً) مفعول ثان ـ لرزقوا ـ كرزقه مالا أي أعطاه ، وليس مفعولا مطلقا مؤكدا لعامله لأنه بمعنى المرزوق أعرف ، والتأسيس خير من التأكيد مع اقتضاء ظاهر ما بعده له ، وتنكيره للتنويع أو للتعظيم أي نوعا لذيذا غير ما تعرفونه ، و (مِنْ) الأولى والثانية للابتداء قصد بهما مجرد كون المجرور بهما موضعا انفصل عنه الشيء ، ولذا لا يحسن في مقابلتها نحو ـ إلى ، وهما ظرفان مستقران واقعان حالا على التداخل ، وصاحب الأولى (رِزْقاً) والثانية ضميره المستكن في الحال ، والمعنى كل حين رزقوا ـ مرزوقا ـ مبتدأ من الجنات مبتدأ من ثمرة ، والشائع كونهما لغوا ، والرزق قد ابتدأ من الجنات ، والرزق من الجنات قد ابتدأ من ثمرة وجعل بمنزلة أن تقول أعطاني فلان فيقال : من أين؟ فتقول : من بستانه ، فيقول : من أي ثمرة؟ فتقول : من الرمان ، وتحريره أن (رُزِقُوا) جعل مطلقا مبتدأ من الجنات ثم جعل مقيدا بالابتداء من ذلك مبتدأ من ثمرة ، وعلى القولين لا يرد أنهم منعوا تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد والآية تخالفه ، أما على الأول فظاهر ، وأما على الثاني فلأن ذاك إذا تعلقا به من جهة واحدة ابتداء من غير تبعية. وما نحن فيه ليس كذلك للإطلاق والتقييد والمراد من الثمرة على هذا النوع ـ كالتفاح والرمان ـ لا الفرد لأن ابتداء الرزق من البستان من فرد يقتضي أن يكون المرزوق قطعة منه لا جميعه وهو ركيك جدا ، ويحتمل أن تكون الثانية مبينة للمرزوق والظرف الأول لغو والثاني مستقر خلافا لمن وهم فيه وقع حالا من النكرة لتقدمه عليها ولتقدمها تقديرا جاز تقديم المبين على المبهم ، والثمرة يجوز حملها على النوع وعلى الجنات الواحدة ولم يلتفت المحققون إلى جعل الثانية تبعيضية في موقع المفعول ، و (رِزْقاً) مصدر مؤكد أو في موقع الحال من (رِزْقاً) لبعده مع أن الأصل التبيين والابتداء فلا يعدل عنهما إلا لداع على أن مدلول التبعيضية أن يكون ما قبلها أو ما بعدها جزاء لمجرورها لا جزئيا فتأتي الركاكة هاهنا ، وجمع سبحانه بين (مِنْها) و (مِنْ ثَمَرَةٍ) ولم يقل ـ من ثمرها ـ بدل ذلك لأن تعلق (مِنْها) يفيد أن سكانها لا تحتاج لغيرها لأن فيها كل ما تشتهي الأنفس ، وتعلق (مِنْ ثَمَرَةٍ) يفيد أن المراد بيان المأكول على وجه يشمل جميع الثمرات دون بقية اللذات المعلومة من السابق واللاحق ، وهذا إشارة إلى نوع ما رزقوا ويكفي إحساس أفراده وهذا كقولك مشيرا إلى نهر جاء هذا الماء لا ينقطع أو إلى شخصه ، والإخبار عنه ب (الَّذِي) إلخ على جعله عينه مبالغة أو تقدير مثل الذي رزقناه من قبل أي في الدنيا ، والحكمة في التشابه أن النفس تميل إلى ما يستطاب وتطلب زيادته :
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره |
|
هو المسك ما كررته يتضوع |
وهذا مختلف بحسب الأحوال والمقامات ، أو لتبيين المزية وكنه النعمة فيما رزقوه هناك إذ لو كان جنسا لم يعهد ظن أنه لا يكون إلا كذلك أو في الجنة ، والتشابه في الصورة إما مع الاختلاف في الطعم ـ كما روي عن الحسن «إن أحدهم يؤتى بالصحفة فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيراها مثل الأولى فيقول ذلك؟ فيقول الملك : كل فاللون واحد والطعم مختلف» أو مع التشابه في الطعم أيضا كما يشير إليه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «والذي نفس
__________________
(١) بياض فبي الأصل قدر كلمة.