فعلموا أن ذلك بسبب استهانتهم به فأخرجوه وجعلوه على ثورين فأقبلا يسيران وقد وكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما حتى أتوا منزل طالوت.
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صندوق التوراة وكان قد رفعه الله تعالى إلى السماء سخطا على بني إسرائيل لما عصوا بعد وفاة موسى عليهالسلام فلما طلبت الآية أتى من السماء والملائكة يحفظونه وبنو إسرائيل يشاهدون ذلك حتى أنزلوه في بيت طالوت. وعن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه أنه التابوت الذي أنزل على أم موسى فوضعته فيه وألقته في البحر وكان عند بني إسرائيل يتبركون به إلى أن فسدوا فجعلوا يستخفون به فرفعه الله تعالى إلى أن كان ما كان ، وروي غير ذلك مما يطول ، وأقرب الأقوال التي رأيتها أنه صندوق التوراة تغلبت عليه العمالقة حتى رده الله تعالى ، وأبعدها أنه صندوق نزل من السماء على آدم عليهالسلام وكان يتحاكم الناس إليه بعد موسى عليهالسلام إذا اختلفوا فيحكم بينهم ويتكلم معهم إلى أن فسدوا فأخذه العمالقة ، ولم أر حديثا صحيحا مرفوعا يعول عليه يفتح قفل هذا الصندوق ولا فكرا كذلك (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي في إتيانه سكون لكم وطمأنينة ، فالسكينة مصدر حينئذ أو فيه نفسه ما تسكنون إليه وهو التوراة ، وقيل : وليس بالصحيح ـ كما قاله الراغب ـ صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها وجناحان فتئن فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر. والجملة في موضع الحال. و (مِنْ) لابتداء الغاية أو للتبعيض أي من سكينات ربكم.
(وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) هي رضاض الألواح وثياب موسى وعمامة هارون وطست من ذهب كانت تغسل به قلوب الأنبياء. وكلمة الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم وسبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، وآلهما أتباعهما أو أنفسهما ، أو أنبياء بني إسرائيل ، لأنهم أبناء عمهما (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) حال من التابوت ، والحمل إما حقيقة أو مجاز على حد. حمل زيد متاعي إلى مكة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من إتيان التابوت فهو من كلام النبي لقومه أو إلى نقل القصة وحكايتها فهو ابتداء خطاب منه تعالى للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من المؤمنين جيء به قبل تمام القصة إظهارا لكمال العناية ، وإفراد حرف الخطاب مع تعدد المخاطبين على التقديرين بتأويل الفريق ونحوه (لَآيَةً) عظيمة كائنة (لَكُمْ) دالة على جعل طالوت ملكا عليكم أو على نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم حيث أخبر بما أخبر من غير سماع من البشر ولا أخذ من كتاب (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي مصدقين بتمليكه عليكم أو بشيء من الآيات ، و (إِنَ) شرطية والجواب محذوف اعتمادا على ما قبله وليس المقصود حقيقة الشرطية إذا كان المخاطب من تحقق إيمانه ، وقيل : هي بمعنى إذ (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) أي انفصل عن بيت المقدس مصاحبا لهم لقتال العمالقة ، وأصله فصل نفسه عنه ، ولما اتحد فاعله ومفعوله شاع استعماله محذوف المفعول حتى نزل منزلة القاصر ـ كانفصل ـ وقيل : فصل فصولا وجوز كونه أصلا برأسه ممتازا من المتعدي بمصدره كوقف وقوفا ووقفه وقفا وصد عنه صدودا وصده صدا وهو باب مشهور ، والجنود الأعوان والأنصار جمع جند ، وفيه معنى الجمع ، وروي أنه قال لقومه : لا يخرج معي رجل بنى بناء لم يفرغ منه ولا تاجر مشتغل بالتجارة ، ولا متزوج بامرأة لم يبن عليها ولا أبتغي إلا الشاب النشيط الفارغ فاجتمع إليه ممن اختاره ثمانون ألفا ، وقيل : سبعون ألفا ، وكان الوقت قيظا فسلكوا مفازة فسألوا نهرا (قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ) أي معاملكم معاملة من يريد أن يختبركم ليظهر للعيان الصادق منكم والكاذب (بِنَهَرٍ) بفتح الهاء ، وقرئ بسكونها ، وهي لغة فيه وكان ذلك «نهر» فلسطين كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وعن قتادة والربيع أنه «نهر» بين فلسطين والأردن (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) أي ابتدأ شربه لمزيد عطشه من نفس النهر بأن كرع لأنه الشرب منه حقيقة ،