الله يرزق من يشاء بغير حساب فحمد الله سبحانه ثم قال : الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله تعالى رزقا فسئلت عنه قالت : هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ثم جمع عليا والحسن والحسين وجمع أهل بيته حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو فأوسعت فاطمة رضي الله تعالى عنها على جيرانها».
هذا (ومن باب الاشارة في الآيات) (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) نهي عن موالاة المؤمنين الكافرين لعدم المناسبة بينهم في الحقيقة ولفرق بين الظلمة والنور والظل والحرور ، والولاية تقتضي المناسبة ومتى لم تحصل كانت الولاية عن محض رياء أو نفاق والله تعالى لا يجب المرائين ولا المنافقين ، ومن هنا نهى أهل الله تعالى المريدين عن موالاة المنكرين لأن ظلمة الإنكار ـ والعياذ بالله تعالى ـ تحاكي ظلمة الكفر وربما تراكمت فسدت طريق الإيمان ، ومن يفعل ذلك فليس من ولاية الله تعالى في شيء معتد به إذ ليس فيه نورية صافية يناسب بها الحضرة الإلهية (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) فحينئذ تجوز الموالاة ظاهرا ، وهذا بالنسبة للضعفاء وأما من قوي يقينه فلا يخشى إلا الله تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أي يدعوكم إلى التوحيد العياني لئلا يكون خوفكم من غيره (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) فلا تحذروا إلا إياه ، والأكثرون على أن هذا خطاب للخواص العارفين إذ لا يحذر نفسه من لا يعرفه وقد حذر من دونهم بقوله سبحانه : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) قال إبراهيم الخواص : وعلامة الخوف في القلب دوام المراقبة وعلامة المراقبة التفقد للأحوال النازلة (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ) من الموالاة (أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) لأنه مع كل نفس وخطرة (وَيَعْلَمُ ما فِي) سماوات الأرواح وأرض الأجسام (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فلا يشغله شأن عن شأن ولا يقيده مظهر عن مظهر (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) لأن كل ما يعمله الإنسان أو يقوله ينتقش منه أثر في نفسه ويسطر في صحائف النفوس السماوية إلا أنه لاشتغاله بالشواغل الحسية والإدراكات الوهمية والخيالية لا يرى تلك النفوس ولا يبصر هاتيك السطور فإذا تجرد عن عالم الكثافة بصر ورأى وشاهد ما به قلم الاستعداد جرى فإذا وجد سوءا تود نفسه وتتمنى (لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) لتعذبها به (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) كرره تأكيدا لئلا يعملوا ما يستحقون به عقابه (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) أي بسائرهم فلهذا حذرهم ، الرحمة فكأنه قيل لهم : اتبعوني بالأعمال الصالحة يخصكم الله تعالى برحمته ، وتعلقت بالخواص من حيث الفضل فكأنه قيل لهم : اتبعوني بمكارم الأخلاق يخصكم بتجلي صفات الجمال ، وتعلقت بخواص الخواص من حيث الجذبة فكأنه قيل لهم : اتبعوني ببذل الوجود يخصكم بجذبه لكم إلى نفسه ، وهناك يرتفع البون من البين ، ويظهر الصبح لذي عينين والقطرة من هذه المحبة تغني عن الغدير :
وفي سكرة منها ولو عمر ساعة |
|
ترى الدهر عبدا طائعا وله الحكم |
(وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أي معاصيكم التي سلفت منكم على خلاف المتابعة ولا يعاقبكم عليها أو يغفر لكم ذنوبكم بستر ظلمة صفاتكم بأنوار صفاته أو يغفر لكم ذنوب وجودكم ويثيبكم مكانه وجودا لا يفنى كما قال : «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» الحديث (وَاللهُ غَفُورٌ) يكفر خطاياكم ويمحو ذنوب صفاتكم ووجودكم (رَحِيمٌ) يهب لكم عوض ذاك حسنات وصفات ووجودا حقانية خيرا من ذلك (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) فإن المريد يلزمه متابعة المراد (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي فإن أعرضوا فهم كفار منكرون محجوبون و (اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) لقصور استعدادهم عن ظهور جماله فيهم (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) الاصطفاء أعم من المحبة والخلة فيشمل الأنبياء كلهم وتتفاضل فيه مراتبهم كما يشير إليه قوله تعالى :