الأمور فلو كان لنقل ولو نقل لكان النصارى أولى الناس بمعرفته ، وأجيب بأن الحاضرين إذ ذاك لم يبلغوا مبلغ التواتر ، ولما نقلوا كذبوا فسكتوا ، وبقي الأمر مكتوما إلى أن نطق القرآن به ، وهذا قريب على قول ابن عباس : إنه لم يتكلم إلا ساعة من نهار ـ وعلى القول الآخر ـ وهو أنه بقي يتكلم يقال : إن الناس اشتغلوا بعد بنقل ما هو أعجب من ذلك من أحواله كإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، والإخبار عن الغيوب ، والخلق من الطين كهيئة الطير حتى لم يذكر التكلم منهم إلا النزر ولا زال الأمر بقلة حتى لم يبق مخبر عن ذلك وبقي مكتوما إلى أن أظهره القرآن.
وبعد هذا كله لك أن تقول لا نسلم إجماع النصارى على عدم تكلمه في المهد ، وظاهر الأخبار ، وقد تقدم بعضها يشير إلى أن بعضهم قائل بذلك ، وبفرض إجماعهم نهاية ما يلزم الاستبعاد وهو بعد إخبار الصادق لا يسمن ولا يغني من جوع عند من رسخ إيمانه. وقوى إيقانه ، وكم أجمع أهل الكتابين على أشياء نطق القرآن الحق بخلافها والحق أحق بالاتباع ، ولعل مرامهم من ذلك أن يطفئوا نور الله بأفواههم (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [التوبة : ٣٢] والكهل ما بين الشاب والشيخ ، ومنه اكتهل النبت إذا طال وقوى ، وقد ذكر غير واحد أن ابن آدم ما دام في الرحم فهو جنين ، فإذا ولد فهو وليد ؛ ثم ما دام يرضع فهو رضيع ، ثم إذا قطع اللبن فهو فطيم ، ثم إذا دب ونما فهو دارج ، فإذا بلغ خمسة أشبار فهو خماسي فإذا سقطت رواضعه فهو مثغور ، فإذا نبتت أسنانه فهو ـ مثغر بالتاء والثاء ـ كما قال أبو عمرو ـ فإذا قارب عشر سنين أو جاوزها فهو مترعرع وناشئ ، فإذا كان يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع ومراهق ، فإذا احتلم واجتمعت قوته فهو حزور ، واسمه في جميع هذه الأحوال غلام فإذا اخضرّ شاربه وأخذ عذاره يسيل قيل : قد بقل وجهه ، فإذا صار ذا فتاء فهو فتى وشارخ. فإذا اجتمعت لحيته وبلغ غاية شبابه فهو مجتمع ، ثم ما دام بين الثلاثين والأربعين فهو شاب ، ثم كهل إلى أن يستوفي الستين.
ويقال لمن لاحت فيه أمارات الكبر وخطه الشيب ، ثم يقال شاب ، ثم شمط ، ثم شاخ ، ثم كبر ، ثم هرم ، ثم دلف ، ثم خرف ، ثم اهتر ، ومحا ظله ـ إذا مات ـ وهذا الترتيب إنما هو في الذكور ـ وأما في الإناث فيقال للأنثى ما دامت صغيرة : طفلة ، ثم وليدة إذا تحركت ، ثم كاعب إذا كعب ثديها ثم ناهد ، ثم معصر إذا أدركت ، ثم عانس إذا ارتفعت عن حد الاعصار ، ثم خود إذا توسطت الشباب ، ثم مسلف إذا جاوزت الأربعين ، ثم نصف إذا كانت بين الشباب والتعجيز ، ثم شهلة كهلة إذا وجدت من الكبر ـ وفيها بقية وجلد ـ ثم شهربة إذا عجزت ـ وفيها تماسك ـ ثم حيزبون إذا صارت عالية السن ناقصة العقل ، ثم قلعم ولطلط إذا انحنى قدّها وسقطت أسنانها.
وعلى ما ذكر في سن الكهولة يراد بتكليمه عليهالسلام كهلا تكليمه لهم كذلك بعد نزوله من السماء وبلوغه ذلك السن بناء على ما ذهب إليه سعيد بن المسيب ، وزيد بن أسلم ، وغيرهما «أنه عليهالسلام رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وأنه سينزل إلى الأرض ويبقى حيا فيها أربعا وعشرين سنة» كما رواه ابن جرير بسند صحيح عن كعب الأحبار ، ويؤيد هذا ما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : قد كلمهم عيسى في المهد وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) أي ومعدودا في عدادهم وهو معطوف على الأحوال السابقة (قالَتْ) استئناف مبني على السؤال كأنه قيل : فما ذا كان منها حين قالت لها الملائكة ذلك؟ فقيل : قالت (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) يحتمل أن يكون الاستفهام مجازيا والمراد التعجب من ذلك والاستبعاد العادي ، ويحتمل أن يكون حقيقيا على معنى أنه يكون بتزوج أو غيره ، وقيل : يحتمل أن يكون استفهاما عن أنه من أي شخص يكون ، وإعراب هذه الجملة على نحو إعراب الجملة السابقة في قصة زكريا عليهالسلام (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) جملة حالية محققة لما مر ومقوية له ، والمسيس هنا كناية عن الوطء وهذا نفي عام للتزوج وغيره ، والبشر يطلق على الواحد والجمع ،