إنه مع الأول كلام واحد ، وجعل (أُمَّةٌ) اسم ـ ليس ـ والخبر (سَواءً) فهو على حد أكلوني البراغيث ، وقيل : (أُمَّةٌ) مرفوع ـ بسواء ـ وضعف كلا القولين ظاهر ، ووضع (أَهْلِ الْكِتابِ) موضع الضمير زيادة في تشريفهم والاعتناء بهم ـ والقائمة ـ من قام اللازم بمعنى استقام أي (أُمَّةٌ) مستقيمة على طاعة الله تعالى ثابتة على أمره لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيعوه ، وحكي عن ابن عباس وغيره ، وزعم الزجاج أن الكلام على حذف مضاف والتقدير ذو أمة قائمة أي ذو طريقة مستقيمة ، وفيه أنه عدول عن الظاهر من غير دليل.
والمراد من هذه الأمة من تقدم في سبب النزول ، وجعل بعضهم (أَهْلِ الْكِتابِ) عاما لليهود والنصارى وعد من الأمة المذكورة نحو النجاشي وأصحابه ممن أسلم من النصارى (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) صفة لأمة بعد وصفها بقائمة ، وجوز أن تكون حالا من الضمير في (قائِمَةٌ) أو من الأمة لأنها قد وصفت ، أو من الضمير في الجار الواقع خبرا عنها ، والمراد يقرءون القرآن (آناءَ اللَّيْلِ) أي ساعاته وواحده أني بوزن عصا ، وقيل : إنى كمعا ، وقيل : أني بفتح فسكون أو كسر فسكون ؛ وحكى الأخفش أنو كجرو ؛ فالهمزة منقلبة عن ياء أو واو وهو متعلق ـ بيتلون ـ أو ـ بقائمة ـ ومنع أبو البقاء تعلقه بالثاني بناء على أنه قد وصف فلا يعمل فيما بعد الصفة (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) حال من ضمير (يَتْلُونَ) على ما هو الظاهر ، والمراد وهم يصلون إذ من المعلوم أن لا قراءة في السجود وكذا الركوع بل وقع النهي عنها فيهما كما في الخبر ، والمراد بصلاتهم هذه التهجد على ما ذهب إليه البعض وعلل بأنه أدخل في المدح وفيه تيسر لهم التلاوة لأنها في المكتوبة وظيفة الإمام ، واعتبار حالهم عند الصلاة على الانفراد يأباه مقام المدح وهو الأنسب بالعدول عن إيرادها باسم الجنس المتبادر منه الصلوات المكتوبة وبالتعبير عن وقتها بالآناء المبهمة ، وإنما لم يعبر على هذا بالتهجد دفعا لاحتمال المعنى اللغوي الذي لا مدح فيه ، والذي عليه بعض السلف أنها صلاة العتمة.
واستدل عليه بما أخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن جرير والطبراني بسند حسن واللفظ للأخيرين عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : أخر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : أما أنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب قال : وأنزلت هذه الآية (لَيْسُوا سَواءً) حتى بلغ (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) وعليه تكون الجملة معطوفة على جملة يتلون ، وقيل : مستأنفة ويكون المدح لهم بذلك لتميزهم واختصاصهم بتلك الصلاة الجليلة الشان التي لم يتشرف بأدائها أهل الكتاب كما نطق به الحديث بل ولا سائر الأمم ، فقد روى الطبراني بسند حسن أيضا عن المنكدر أنه قال : خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات ليلة وأنه أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال : أما إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ثم قال : أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم ولعل هذا هو السر في تقديم هذا الحكم على الحكم بالإيمان ، ولا يرد عليه أن التلاوة لا تتيسر لهم إلا بصلاتهم منفردين ولا تمدح في الانفراد مع أنه خلاف الواقع من حال القوم على ما يشير إليه الخبران لأنه لم تقيد التلاوة فيه بالصلاة وإنما يلزم التقييد لو كانت الجملة حالا من الضمير كما سبق وليس فليس.
والتعبير عن الصلاة بالسجود لأنه أدل على كمال الخضوع وهو سر التعبير به عنها في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : لمن طلب أن يدعو له بأن يكون رفيقه في الجنة لفرط حبه له وخوف حيلولة الفراق يوم القيامة أغني بكثرة السجود ، وكذا في كثير من المواضع ، وقيل : المراد بها الصلاة ما بين المغرب والعشاء الآخرة وهي المسماة بصلاة الغفلة ، وقيل : المراد بالسجود سجود التلاوة ، وقيل : الخضوع كما في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الرعد : ١٥] واختيرت الجملة الاسمية للدلالة على الاستمرار وكرر الإسناد تقوية للحكم